عندما تستبيح إيطاليا وفرنسا كرامة دبلوماسيي المغرب والجزائر..!!
- نعم للـعـدالــة... لا لإهـدار كرامة الدول وهيبتها وإذلالها واستباحة مجالات سيادتها..
لماذا تجرأت السلطات الإيطاليّة والفرنسيّة على ارتكاب هذه الممارسات المهينة مع الجزائر والمغرب وهل ستنحو على الشاكلة نفسها لو تعلّق الأمر بدبلوماسي ليبي أو تونسي ؟
حدثان مرّا مؤخرا دون أن يحدثا أي ضجيج على الرغم من أثاراه من إذلال وإهانة لهيبة الدولتين المغربيّة والجزائريّة. ويتعلق الحدث الأول بعضو مجلس المستشارين المغربي يحيى يحيى الذي أطلقت السلطات الإيطاليّة سراحه بعد اعتقاله لفترة تناهز ثلاثة أسابيع والحكم عليه بالسجن النافذ لمدة سنتين وستة أشهر بسبب شجار دار بينه وبين زوجته والشرطة الإيطاليّة. كما فرضت عليه الإقامة الجبرية وعدم مغادرة إيطاليا في انتظار استئناف الحكم المذكور بعد أربعة أشهر. ولم تأخذ السلطات الإيطالية إطلاقا بمسألة الحصانة التي يتمتع بها البرلماني المغربي وأجرت المحاكمة بشكل استعجالي على خلاف طبيعتها. ولم توفر له مترجم بما أنه لا يتحدّث الإيطالية. وللإمعان في إذلال البرلماني المغربي ومن ورائه الحكومة المغربيّة تجاهلت قواعد المحاكمة العادلة وألقت عرض الحائط اللوائح الاتفاقيات الدولية التي تقنن الدعاوى ضد الدبلوماسيين والمسؤولين السياسيين من ذوي الحصانة. أمّا الحدث الثاني فهو يخصّ اعتقال مدير البروتوكول بوزارة الخارجية الجزائريّة حسني زيان محمد من قبل شرطة الحدود بمطار مرسيليا يوم 14 من الشهر الجاري بموجب مذكرة توقيف صدرت بحقه العام الماضي ووجهت إليه تهمة التواطؤ في اغتيال المحامي والمعارض السياسي الجزائري علي مسيلي في باريس عام 1987. وقد أطلق سراح زيّان بعد يوم من توقيفه، لكنه -على شاكلة البرلماني المغربي في إيطاليا- يخضع للمراقبة القضائية ويمنع من مغادرة فرنسا. أما السلطات الجزائريّة فقد اعترفت بأن هذا الأمر مؤسف ويحمل إهانة كبيرة ثم وقفت مكتوفة الأيدي.
وهكذا، تجاوزت إيطاليا وفرنسا عن قصد الأعراف السياسيّة والدبلوماسيّة بين الدول وتصرّفتا وكأنهما مازالتا تتقاسمان الهيمنة الاستعماريّة على هذين البلدين. فتجاوزتا بذلك اتفاقية فيينا التي توفر حماية للدبلوماسيين، وأظهرتا أنّ تعاملهما مع من يتمتّع بالحصانة السياسية أو الدبلوماسية أو البرلمانيّة أو القضائيّة يمكن ألا يختلف عن تعاملهما مع أيّ مجرم حق عام. فهما لا يُباليان إطلاقا بإذلال "دول صديقة" والمسّ بهيبتها مادامت هذه الدول غير قادرة على الدفاع على نفسها..
طرحنا سؤالا عمّا إن كانت السلطات الإيطاليّة والفرنسيّة ستجرأ على ارتكاب مثل هذه الممارسات المهينة لو تعلّق الأمر بمستشار ليبي أو تونسي
- بالنسبة إلى الجزائر والمغرب :
الإجابة بنعم بالنسبة إلى هذين البلدين بما أنّها لم تفعل شيئا إزاء اعتقال دبلوماسييْها. فالجزائر كان ردّ فعلها على اعتقال أحد كبار دبلوماسييها ذليلا بقدر الذلّ الذي عومل به مدير البروتوكول في الخارجية الفرنسية من قبل شرطة الحدود الفرنسية حسب تصريح المسؤولين الجزائريين أنفسهم... فضلت السلطات الجزائرية ترك الأمر للقضاء بهدف "تفادي المهاترات". وللأسف لم تعد الجزائر الأبيّة، مع الرئيس بوتفليقة، تحافظ على أنفتها كما كانت تحرص دائما..
أمّا المملكة المغربيّة فقد اكتفت باستدعاء سفيرها في روما لا سفير إيطاليا في الرباط. كما قبلت مكوث مستشارها قرابة ثلاثة أسابيع رهن الاعتقال. والمسيء أيضا أنّ السلطات المغربيّة عوضا عن التحرّك بآليات مشابهة أو فتح ملفات إيطاليّة مماثلة، عوّلت -حسب ما جاء في وكالة أنبائها الرسميّة- على أفراد عائلة البرلماني المغربي المعتقل للتعبير عن "استغرابهم وشجبهم للطريقة التي اعتقل وحوكم بها من قبل القضاء الإيطالي"، وهذا يدخل في نطاق الرسائل المخصّصة للاستهلاك المحلّي لا لمعالجة قضيّة مسّت بهيبة الدولة المغربيّة. فقد تعاملت الأجهزة الإيطاليّة مع برلماني مغربي ذي حصانة بطريقة مهينة تتعامل بها عادة مع تجار المخدّرات والمهاجرين غير الشرعيين..
- أمّا بالنسبة إلى ليبيا :
فباعتقادنا أنّ عدّة عوامل ستجبر إيطاليا وفرنسا على التردّد كثيرا قبل أن تأتي حماقة كتلك. ومع هذا ينبغي أن نشير أولا إلى أنّ ليبيا من حيث المبدأ كانت قد سلّمت بنفسها اثنين من مواطنيها لمحاكمتهما بالخارج تحت ضغط دولي وخاصّة أمريكي. والواضح أنّ ليبيا كانت مضطرّة لعقد تلك الصفقة السياسيّة لأنّ استمراريّة النظام الليبي القائم والتوازنات العامة في الدولة كانت في حدّ ذاتها مرتبطة بشكل من الأشكال بحلّ ثلاث قضايا وهي، أوّلا: الاعتراف بمسؤوليّتها في قضيّة لوكربي وتقديم التعويضات المطلوبة، وثانيا: التخلّص من أسلحة الدمار الشامل والتخلّي عن برامج التسلّح الليبيّة المرتبطة بها، وثالثا: الكشف عن علاقاتها ببعض التنظيمات السياسيّة المسلّحة في الخارج.. وهذا ما أتاح لليبيا عودة الزخم الاقتصادي والاستثماري مُجدّدا.
ورغم كلّ تلك التنازلات يبقى التعامل مع ليبيا بالنسبة إلى دول مثل إيطاليا وفرنسا محفوفا بالمخاطر، فهي تخشى قبل كلّ شيء التضحية بمصالحها الاقتصاديّة الكبرى في ليبيا وخاصة في مجال الطاقة، لأنّها تـُدرك أنّ معمر القذافي لن يتردّد في كسر ظهرها اقتصاديّا والرمي في البحر بكلّ مصالحها في ليبيا إذا شعر مثلا بأنّه مستهدف شخصيّا من معاملة مهينة لأحد دبلوماسييه. ويمكن أن نستشهد في هذا الصدد بالعديد من الأمثلة، وآخرها الردّ العنيف والسريع الذي تمّت بمقتضاه مواجهة عميلة اعتقال ابن الزعيم الليبي هنيبال القذافي وزوجته من قبل السلطات السويسريّة أواسط جويلية/يوليو الماضي على خلفيّة اتهامهما بتعنيف خادميهما المغربي والتونسية. فقد اعتقلت السلطات الليبية مواطنين سويسريين يعملان في ليبيا بدعوى إقامتهما بطريقة غير شرعيّة وعطّلت الرحلات الجوية الرابطة بين البلدين وامتنعت عن إعطاء تأشيرات الدخول إلى أراضيها للسوسريين وأعلمت الشركات السويسريّة بطرابلس بقرار إغلاقها وبدات بإجراءات وقف تزويد سويسرا بالنفط وهي التي تبيعها قرابة 50 بالمائة من حاجياتها البتروليّة. وبغض النظر عن مشروعيّة هذه الإجراءات وخاصّة عدم مبالاة النظام الليبي بارتكاب نجل القذافي ممارسات لا إنسانيّة ومهينة إزاء مواطنين آخرين، فإنّ طرابلس القذافي قد تحرّكت بشكل حازم وحاسم من منطلق إدراكها لعدم اكتراث الدول الغربية مثل سويسرا وغيرها بالمسّ بهيبة بهيبتها واستغلال ذلك لابتزازها سياسيّا. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ سويسرا نفسها، هذه الدولة التي تدّعي الحياد، قد لمحت من خلال بعض القنوات الإعلامية الغربيّة إلى قدرتها على معاقبة ليبيا بتجميد أرصدتها في البنوك السويسريّة، وهذه قضيّة أخرى قد نتناولها في مقال لاحق...
- وبالنسبة إلى التعامل مع تونس :
فقد يكون التعامل معها بدوره مُختلفا لأسباب موضوعيّة. فعلى الرغم من محدوديّة الثروات الطبيعيّة في تونس، فإنّ لهاتين الدولتين مصالح اقتصاديّة هامة في البلاد. ولكن ربّما الأهمّ من ذلك أنهما تدركان مدى حساسيّة مسألة التدخل في الشؤون التونسيّة بالنسبة إلى الرئيس بن علي، فمسألة رفض تقديم الدروس من الأجنبي أضحت إحدى مميّزات الخطاب الرسمي التونسي إزاء الخارج.. ومن الأمثلة الدالّة على ذلك نذكر الصفعة السياسيّة التي وجّهها رئيس الدولة التونسي إلى الرئيس السويسري في تونس بالذات خلال احتضانها المرحلة الثانية من القمة العالميّة حول مجتمع المعلومات في نوفمبر 2005 لأنّه عمد بشكل استعلائي توجيه انتقادات لاذعة إلى السلطات التونسية في مجال حقوق الإنسان، وذلك في إطار الرفع من شأن سويسرا التي احتضنت المرحلة الأولى من القمّة على حساب تونس. كما يمكن أن نشير إلى أنّ تونس منذ بضعة أشهر كانت قد فرضت على القضاء الفرنسي ومن ورائه السلطات الفرنسيّة إيفاد قاض فرنسي إلى تونس للتباحث والتنسيق بشأن إحدى القضايا. وكذا الأمر بالنسبة إلى التحرّك المكثف لتونس إزاء اعتقال السلطات الإيطاليّة عدد من البحارة التونسيين بسبب إنقاذهم بعض المهاجرين غير الشرعيين من الموت المحقق قبالة المياه الإقليميّة الإيطاليّة، على الرغم من أنّها قضيّة حق عام لا تمسّ بهيبة الدولة التونسيّة بقدر ما تعكس لا إنسانيّة تلك الممارسات الإيطاليّة. ويُذكر أيضا أنّه منذ بضع سنوات استبقت السلطات التونسية إجراءً سويسريّا بمحاكمة وزير تونسي سابق، وذلك بالتعجيل بإعادته إلى تونس. فبغض النظر عن مضمون هذه القضايا فإنها تبقى مرتبطة على المستوى الرمزي بسيادة الدول وخاصّة بهيبتها ولذلك تفترض التنسيق بين أجهزتها بعيدا عن الوصاية المـُذلّلة...
المُعيب والمُقرف أنّ هذه الدول الاستعماريّة مازالت تفعل كلّ ما بوسعها للحفاظ على وصايتها المُعلنة أحيانا ولو باستحياء. وفي المقابل تمانع أشدّ الامتناع في الإقرار بالمآسي التي تسبّبت فيها إزاء الشعوب التي احتلّت بلادها راهنا أو سابق. ولنأخذ مثلا ملف حرب الجزائر. فعى الرغم من كلّ ما يُقال في مستوى وسائل الإعلام الفرنسية، يبقى هذا الملف على المستوى الرسمي الفرنسي من الخطوط الحمراء لا ينبغي المساس بها.. ففتح هذا الملف يعني إظهار الوجه القبيح لفرنسا، فباريس ليست فقط عنوانا للأنوار والحريّات وللروائع الأدبية والفن النبيل.. فإذا استذكرنا حرب الجزائر بدا لنا وجه آخر لباريس، وجه ملوّث بالدماء والفظاعات والتدمير والإبادة والعنصريّة الأخاذة. فلماذا لا تـُجرى محاكمة أي مسؤول فرنسي عن تلك الجرائم الفظيعة ولو رمزيّا، في حين تسعى خفاء وعلنا إلى إهانة الدول الصغرى، وتصبح صاغرة أمام القوى العظمى. ولنا في وزير الخارجية الفرنسي الحالي برنار كوشنار (صاحب نظرية حق التدخل السياسي والعسكري في الدول الأخرى لإرساء الديمقراطية) خير مثال على الانتهازيّة السياسيّة الفجّة.
وبعيدا عن عقليّة المؤامرة وما إلى ذلك، علينا نتساءل عمّا فعلته دول مثل فرنسا وإيطاليا وبلجيكا إزاء ما ارتكبته من جرائم فظيعة منظمة في مستعمراتها السابقة.. تلك ملفات لا ترغب هذه الدول في نبشها وليس من مصلحتها أن تفعل ذلك. ولهذا ليس لها أن تـُملي وصايتها على غيرها باسم القانون، إذ توجد صيغ أخرى يمكن أن يتمّ بمقتضاها حلّ القضايا التي تمسّ برمز الدولة دون الاضطرار إلى الممارسات المهينة المتبادلة. وهذا لا يعني التغاضي عن الانتهاكات والجرائم المقترفة، إذ يمكن التنسيق بين الأجهزة المختصّة في الدول المعنيّة بهدف إحلال العدالة دون تعمّد الإساءة والإهانة، لاسيّما أنّ حقائق التاريخ لا يمكن أن تبقى مطمورة في الملفات السريّة إلى ما لا نهاية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق