2008-08-14

لماذا تحتفل المرأة التونسيّة بعيدين ؟!

الطاهر الحدّاد رائد حقوق المرأة
لماذا تحتفل المرأة التونسيّة بعيدين ؟!
بقلم معز زيّود
يحتفل العالم بالمرأة يوما واحدا كلّ سنة هو يوم 8 مارس، وفي تونس يُحتفل بالمرأة يومين كلّ عام هما يوم 13 أوت/أغسطس وكذلك يوم الثامن من مارس السالف الذكر. فهل المرأة التونسيّة أكثر حظوةً من سائر نساء العالم؟ سؤال قد يبدو كاريكاتوريّا لكن له دلالات ذات بالٍ سنحاول الإتيان عليها. وقبل ذلك أودّ التوقف عند قصّة هذين اليومين، وهي في نظري قصّة واقعيّة قد تكون امتزجت ببعض التأويل.
تتعلّق أولى القصّتين بيوم 8 مارس أي اليوم العالمي للمرأة. فكيف جاءت حكايته؟
تعتبر الحركة النسوية الأمريكيّة أنّ جذور الاحتفال باليوم العالمي للمرأة تعود إلى إضراب كلّي عن العمل شنّته عاملات النسيج بنيويورك يوم 8 مارس 1857، للمطالبة بتحسين ظروف العمل التي كانت سيئة جدّا وخاصّة تقليص ساعات العمل اليومي، إذ كانت العاملات مُجبرات على حمل أطفالهنّ معهن إلى مصانع النسيج التي يشتغلن بها على امتداد ثلثي اليوم. غير أنّ هذه الرواية الجميلة لم تبرز سوى في الخمسينات من القرن الماضي، وقد شكّـك بعض الباحثين في صحّتها ونفوا حصول ذاك الإضراب أصلا، خاصّة أنّ الأمريكيّين كانوا يحتفلون بعيد المرأة في بداية القرن الماضي يوم 28 فيفري من كلّ عام. ومع ذلك فإنّ الثابت أنّ أول مرّة يتمّ فيها المطالبة بتحديد يوم عالمي للمرأة يعود إلى اجتماع الاشتراكيّة الدوليّة l'Internationale socialiste في كوبنهاغن سنة 1910 بمشاركة مائة إمرأة من 17 دولة من بينهن اولى ثلاث نساء انتخبن أعضاء في البرلمان الفنلندي. وقد حدّد هذا الاجتماع ثلاثة أهداف أساسيّة وهي منح المرأة حق الاقتراع والمساواة بين الجنسين وتحسين ظروف العمل. ولمزيد التوعية بأهميّة هذه المطالب رأت المشاركات في الاجتماع المذكور ضرورة اختيار يوم مُعيّن لاحتفال بالمرأة في العالم، دون أن ينتهي بتحديد هذا اليوم.
ومن أهمّ الأحداث التي ثبت أنّها تزامنت مع يوم الثامن من مارس هو الإضراب عن العمل الذي شنّته العاملات بمدينة بترسبورغ الروسية عام 1917 على إثر نهاية الحرب العالميّة الأولى لاسيّما أنّها قد خلّفت ما يُناهز مليوني قتيل روسي. وقد حمل ذاك الإضراب شعار "من أجل الخبز والسلام"، وانتهى بإقرار الحكومة المؤقتة التي حلّت محلّ نظام القيصر الروسي بمنح المرأة الحق في الاقتراع. ومن ثمّة أخذ الاحتفال بيوم 8 مارس يوما عالميّا للمرأة نسقا تصاعديّا شيئا فشيئا في سائر دول العالم. وفي 8 ماس 1975 بدأت منظمة الأمم المتحدة الاحتفال بهذه الذكرى، وما لبثت سنة 1977 أن تبنّته بشكل رسمي يوما عالميّا للمرأة.
أمّا القصّة الثانية وهي المتعلّقة باختيار 13 أوت عيدا وطنيّا في تونس، فتعود ببساطة إلى مُصادفة هذا التاريخ لإحداث مجلّة الأحوال الشخصيّة بعد أقلّ من خمسة أشهر على استقلال البلاد في 20 مارس 1956. فقد قطعت هذه المجلة القانونيّة مع السائد المتخلّف والتقاليد البالية لا في تونس وحسب وإنّما في سائر البلدان العربية والإفريقيّة. فمجلّة الأحوال الشخصيّة، وإن لم يصطحبها تطوّر نوعي على صعيد الممارسة السياسيّة في البلاد، فإنّها لا تزال تُعدّ إلى اليوم استثناء حقوقيّا في سائر الدول العربيّة سواء بالنسبة إلى المنع المطلق لتعدّد الزوجات أو اعتماد الطلاق القانوني أو منح الجنسيّة لأبناء الأمّ التونسيّة المتزوّجة من أجنبي، وغير ذلك من الحقوق التي أضحت تتمتّع بها المرأة التونسيّة بمرّ السنين والعقود على خلاف غيرها من النساء العربيّات.
حكاية جميلة فعلا كانت لبورقيبة الجرأة والسلطة لتتويجها بُعيْد الاستقلال، لكنّها مرّت قبل ذلك بمعاناةٍ ومأساةٍ فُـرضت فرضا على الطاهر الحدّاد رائد حقوق المرأة في تونس وسائر البلاد العربيّة إلى جانب المصري قاسم أمين. أصدر الحدّاد كتابه "إمراتنا في الشريعة والمجتمع" سنة 1930، مُطالبا بإعادة النظر في ما تجاوزه الدهر من ممارسات اجتماعيّة تضطهد المرأة.. فدعا إلى إعطاء الأمّ والزوجة والأخت والبنت والمرأة التونسيّة عموما المكانة التي تستحق. فمُنع الطاهر الحدّاد من مواصلة دراسة الحقوق بل وجُرّد من شهائده العلميّة ومُنع من العمل وحُرم من أبسط حقوقه الاجتماعيّة والمدنيّة والسياسيّة، ورُمي بالخيانة وهو من مُؤسّسي الحزب الحرّ الدستوري سنة 1920. كما طالب شيوخ المعرّة والمُتعصّبون في ذلك الزمن الأظلم بإخراجه من الملّة، ومن أشهرهم محمد الصالح بن مراد. وفُـرضت على الحدّاد العزلة التامّة وسيق إلى الموت ولم يتجاوز سنّه السادسة والثلاثين عاما.
لماذا كلّ هذا الاستبداد؟ لأنّ الحدّاد بدا سابقا لعصره وكان الوحيد بين رفاقه ممّن صرخ آنذاك ضدّ أوجه الظلم المُسلّط على المرأة في تونس، ولأنّ الخوف من الفكر وحريّته كان كذلك على أشدّه... الطاهر الحدّاد هو بلا منازع من أسّس ومهّد لوضع مختلف للمرأة في تونس. ولا ريب أنّنا لم ندرك إلى اليوم المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات نظرا إلى انحسار الحريّات السياسيّة في البلاد عموما. ومع ذلك، فإنّ بعض أباطرة التعصّب الديني في الداخل والخارج لا يزال يعتبر هذه المنظومة القانونيّة والحقوقيّة مخالفة لتعاليم الملّة. وفي احتشام مُخجل لا يزال البعض كذلك يأمل في التراجع عن حقوق نسويّة أضحت ثوابت مُكتسبة، لا معنى لحقوق الإنسان بزوالها.
بهذا المعنى المُثقل بالدلالات، نفهم تميّز احتفال المرأة التونسيّة بعيدين ونزداد وعيًا بضرورة تعزيز تلك المكاسب لخير التونسيين جميعا...

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

To the owner of this blog, how far youve come?You were a great blogger.