مُحزن جدّا ما حلّ بالعاصمة المصريّة أمس، سحابة كثيفة من الدخان خيّمت على سماء القاهرة وألبستها ثوبا رماديّا... حريق هائل أتى على أجزاء هامّة من مبنى البرلمان المصري الكائن وسط القاهرة. التهمت ألسنة النيران ما لا يمكن تعويضه، عدد كبير من الوثائق القديمة والحديثة تؤرخ للحياة النيابية في مصر.. تفحّم مقتنيات أثرية ومكتبات نادرة كانت تـُعطي الحياة لمبنى مجلس الشورى المصري الذي يعود تشييده إلى بداية القرن الماضي...
لا أرغب في تكرار حديث عن تقصير خلايا الإنذار والفرق المتخصّصة في مواجهة الأزمات والكوارث وعن الإمكانيّات البدائيّة لقوات الإطفاء والدفاع المدني.. فتلك أشياء أضحت مألوفة في بلادنا العربية.. كما أنّ الحرائق يمكن أن تحدث بدرجات متفاوتة في أيّ مكان.. والحقيقة أنّ السلطات المصريّة لها تجربة رائدة في مجال الفشل في مكافحة الكوارث، بدءا بانهيار المباني الخاصّة والعامّة ومرورا بحوادث تصادم القطارات أو انقلابها وغرق العبّارات وراكبيها ووصولا إلى احتراق المنشآت العامّة وحتى احتراق أحد المسارح بمن فيه من بعض فنانين وجمهور... ما أودّ الإشارة إليه يستند إلى ما قرأت عنه في جريدة "الشرق الأوسط" اللندنيّة، فالحريق دمّر بالكامل ما يُسمّى بمبنى الري في البرلمان المصري الذي يضمّ أساسا مقر الهيئة البرلمانية للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم ومقر الكتلة النيابية لجماعة الإخوان المسلمين، وقد انطلق الحريق من هذا المكان بالذات قبل أن يمتدّ إلى مبنى مجلس الشورى المجاور له، ثمّ لحق ببعض الأجزاء من مجلس الشعب.
بَدَتْ لهذه المصادفةً دلالات غير خافية.. فأن يأتي الحريق أوّلا وبشكل كامل على هذين الجزأين من البرلمان المصري، وأن يقضي في هذا الحرم على مقرّي قوّتي الشدّ إلى الخلف في مصر "الحديثة".. وكأنّ النيران قد ضجرت بدورها من الكوارث والاستبداد والتعصّب الأعمى اللذين ما فتئا يفرضانها على الشعب المصري.. الأمر خال دون شكّ من أيّ نظرة عقلانيّة، لكن هذه الصدفة أبت إلاّ أن تـُذكّرنا بمأساة السياسة في مصر ومن ورائها بقيّة البلاد العربيّة...
المُؤسف كثيرا ليس احتراق هذين المقرّين الحزبيين فليذهبا إلى الجحيم في رأي المواطن المصري الذي يهتمّ اولا بما يسدّ رمقه.. تفحّم هذيم المقرّين ليس مؤسفا لأنّ السلطات المصريّة ستـُخصّص بفائق السرعة الأموال اللازمة لإعادة بنائهما ما دام الأمر يتعلّق ببعض قشور لا تمسّ مطالب كافرة مثل الحاجات العاجلة للشعب المصري التي يتمّ تأجيلها دائما إلى مدى غير محدّد...
الأسف كلّ الأسف على إتلاف جزء من التاريخ السياسي لمصر وذاكرة شعبها الطيّب الخلوق... وثائق تاريخيّة ومقتنيات أثريّة ومكتبات نادرة.. كلّها ذهبت هباءً منثورا في مياه النيل، عساها تكون نذرا لغد مصريّ جديد...
(مصدر الصورة: أشوسايد برس)
هناك تعليقان (2):
اريد ان اعلق على شيء ليس له اي علاقة بمحتوى المقال،لاني لم اجد مكانا في المدونة لاعبر عن اعجابي بما اكتشفت اليوم
لك الف شكر على الاغاني التي تنزلها على مدونتك
افتحها يوميا تلقائيا، واليوم اتفاجا بموسوعة غنائية ضخمة ادخلت الفرح على قلبي
مرة اخرى الف شكر.
واتمنى لك كل الخير
ملاحظة: اين كنت تخفي كل هذه الاحاسيس والامكانيات الكمبيوترية
زميلتك
الفة
شكرا ألفة على متابعتك المنتظمة لكلّ جديد في المدوّنة، فذاك يُعطيني القدرة على الاستمرار ويدفعني إلى محاولة اكتساب مهارات كنت -كما ذكرت لا أتقنها- بهدف تطوير المدوّنة قدر الإمكان.
والحقيقة، أنّ المدوّنة -علاوة على أنّها أعادتني إلى الكتابة- فإنّها تكتسب أهميّتها -في رأيي- من مدى مُتابعتها من الأصدقاء والزملاء وسائر المبحرين في الشبكة، وخاصّة عبر الإسهام بالتعليق ونشر الآراء والمقالات، لِـمَ لا؟
إرسال تعليق