2008-08-19

- تمثيل اتحاد الشغل في مجلس المستشارين رغم أنفه!!

"شندول" وخلفيات أزمة محتملة في المركزيّة النقابيّة
كما أصبح معلوما تمّ مؤخرا تعيين الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل مستشارا بمجلس المستشارين من ضمن العشرين مستشارا الذين تمّ اختيارهم في نطاق التجديد النصفي للأعضاء المعيّنين. وبتعيينه أضحت المنظمة الشغيلة مُمثلة في مجلس المستشارين نظرا إلى المنصب القيادي الذي يشغله شندول في اتحاد الشغل. ويأتي ذلك مخالفا للقرار السابق للمكتب التنفيذي للاتحاد بمقاطعة المجلس...
وإذا كان شندول قد عُيّن رسميا في نطاق فئة الشخصيّات والكفاءات الوطنيّة، فإنّ المبرّر الموضوعي الوحيد لتعيينه -حسب ما نعرف- يكمن في صفته القياديّة في المنظمة الشغيلة. والواضح أنّ الإشكال يكمن في مستوى التزام الأعضاء القياديين في اتحاد الشغل بمقرّرات مكتبهم التنفيذي، لأنّ رئيس الدولة قد مارس صلاحيّاته الدستوريّة في تعيين من يُريد.
وعموما يبدو قرار اتحاد الشغل برفض المشاركة في الانتخابات الخاصة بممثلي الاتحاد في مجلس المستشارين منطقيّا على المستوى الظاهر، لكنّه عمليّا قرار غير مبدئي. فالمكتب التنفيذي رفض تقديم قائمة تضمّ أربعة وعشرين شخصا لا يُنتخب سوى نصف عددهم في مستوى المجالس الجهويّة. أمّا المبرّر المعلن في ذلك فيتمثل في كون الاتحاد يرى أنّه هو المؤهل دون غيره لاختيار الممثلين عنه في مجلس المستشارين، وهذا ما يبدو ظاهريّا معطى موضوعيّا للقطيعة المعلنة، منذ سنّ التعديل الدستوري الذي تمّ بمقتضاه إحداث مجلس المستشارين.
أمّا بشأن عدم مبدئيّة قرار المركزيّة النقابيّة، فهو يعود إلى اعتبارات عدّة ومن بينها:
- في حين أنّ اتحاد الشغل قد رفض قاعدة ترشيح 24 عضوا يتمّ انتخاب نصفهم أي 12 منهم على مستوى المجالس الجهوية، فإنه لم يرفض مثل هذه القاعدة التمثيليّة في مستويات أخرى مثل تمثيل المنظمة الشغيلة في المجلس الاجتماعي والاقتصادي عبر ترشيح ضعف من يتمّ اختيارهم في النهاية والأمر تقريبا ذاته بالنسبة إلى تمثيل الاتحاد في مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وغيره. ولذا فإنّ هذا التناقض الصريح يمسّ بمبدئيّة قرار المنظمة الشغيلة بمقاطعة انتخابات مجلس المستشارين، رغم كلّ المبرّرات التي يمكن أن تـُساق بهذا الشأن.
- إنّ القبول بمطلب الاتحاد في هذا الشأن يستوجب تعديلا دستوريّا ويفترض مبدئيّا إعطاء الحق نفسه للمنظمتين الوطنيّتين الأخريين. وهذا يعني أن يُصبح ثلثا أعضاء مجلس المستشارين من المعيّنين، كما يُعطي للمنظمات الوطنيّة الصلاحيات الدستوريّة ذاتها المكفولة لرئيس الدولة. وهو ما ليس له مثيل في الدول الأخرى.
- يُدرك العارفون بخفايا المنظمة الشغيلة أنّ كلّ أعضاء المكتب التنفيذي دون استثناء يرغبون في الانضمام إلى مجلس المستشارين، غير أنّ بعض هؤلاء تبدو حظوظهم شبه منعدمة في ضمان مقاعد في المجلس باعتبار أنّ الأغلبيّة الحاكمة لها الكلمة الفصل في الانتخابات التي تـُجرى على مستوى الجهات. ومن ثمّ أصرّ هذا الشقّ على منطق القطيعة لاعتبارات شخصيّة في الغالب.
وعلى هذا الأساس، تمسّك اتحاد الشغل مجدّدا باعتماد خيار أثبتت التجارب السابقة فشله عبر اتباع سياسة المقاعد الشاغرة على حساب المصالح الحيويّة للمنظمة الشغيلة وعموم الشغالين. وقد كان من الأصلح القبول بشروط اللعبة السياسيّة المتمثلة في ترشيح أربعة وعشرين عضوا يتمّ الإبقاء على اثني عشر منهم لعضويّة مجلس المستشارين، ثمّ تكثيف العمل السياسي من أجل تعديل هذا القانون كأن تـُقام تلك الانتخابات مثلا في نطاق المنظمات الوطنيّة الثلاث في حدّ ذاتها بإشراف مؤسّسات الدولة.
وفي تقديري، تبدو هذه الإشكالات غير خافية على الأعضاء القياديين في الاتحاد العام التونسي للشغل. وربّما يتمّ اصطناع أزمة سرعان ما ستنطفئ شعلتها إزاء شخص أضحى يتمتّع بالحصانة ولم يتصرّف إلاّ بمثل ما كان سيفعل غيره من أعضاء المكتب التنفيذي، فالاعتبارات الشخصيّة قد لا تـُغالبها هنا والآن أيّ أهداف أخرى مهما كانت مبدئيّة...

ليست هناك تعليقات: