2008-08-22

- مسلسل نور التركي المُعرّب.. قراءة مختلفة..

التنظير الإعلامي.. وثقافة الوصاية..
أينما ذهبت زمن بثـّه، إلى بيتك أو بيت أحد أقاربك أو أصدقائك، لاحظت معظم الوجوه كبارا وصغارا مُشرئبة نحو الشاشة حريصة على متابعة كلّ جزئيّة في حياة أبطال المسلسل التركي المُعرّب.. بطلا المسلسل -وقد أعطيا اسمين عربيّين نور ومهنّد- أصبحا بمثابة بطلين قوميّيْن في البلاد العربيّة جميعها، ممّا جعل الكثيرين يرون في ذلك ظاهرة اجتماعيّة جديدة مثيرة للقلق..
يبدو أنّ تلك المعايير الأخلاقيّة قد أخطأت هدفها مُجدّدا..
والحقيقة أنّ متابعة الجماهير العربية العريضة لهذا المسلسل لا تـُعدّ ظاهرة اجتماعيّة جديدة لم تحدث من قبل، فهو من قبيل سائر المسلسلات ذات المنشأ أو الطابع الأمريكي مثل مسلسلي "دالاس" و"ديناستي" ومن بعدها المسلسلات المكسيكيّة المُتطبّعة بدورها بطابع أمريكي، بل في رأيي أنّ لهذا المسلسل العديد من أمثاله في الدراما العربيّة التي لا تنقصها أحيانا سوى بعض الإمكانيّات الماديّة لا أكثر لإنتاج أعمال مماثلة تخضع لمنطق السوق وحسابات الربح والخسارة...
ورغم هذا المُعطى التجاري المهيمن على هذا المسلسل وأمثاله، أصبحت لا أعتقد في جدوى ذاك الكمّ الهائل من الكتابات المنتقدة لهذا المسلسل والمشدّدة على ما يعكسه مضمونه من نظرة دونيّة للمرأة العربيّة بغضّ النظر عن الفئة الاجتماعيّة التي تنتمي إليها.. وما يرسمه من مكانة وضيعة لضعفاء الحال.. وما يروّجه من أحلام وهميّة بسرعة الثراء السهل وغير المرتبط بالكفاءة والجهد.. وما إلى ذلك من السلبيات المجتمعة في مسلسل نور وفي مُقدّمتها إلهاء الناس عن الاهتمام بقضاياهم الحقيقيّة... فمن يكيل الانتقادات والاتهامات المُختلفة لهذا المُسلسل يُقبل كالغالبيّة على مشاهدته.. لماذا إذن نؤاخذ الناس على فعل أشياء نحن أوّل من يأتيها.. إنّها الوصاية بعينها التي تـُوهم البعض بأنّ لهم الحق في تحديد ما يجب أن يحبّه الناس وما يجب أن يكرهوه.. وأنا نفسي لو لم أشاهد لقطات عديدة من بعض حلقات المسلسل لما كنت قادرا على فهم أو محاولة فهم طبيعة هذا الاهتمام الملفت للانتباه بالمسلسل التركي وأبطاله..
من يُشاهد المسلسل قد يجد صعوبة في تأمين ما يحتاجه من مستلزمات معيشيّة مختلفة أو حتّى في سدّ رمقه، ومع ذلك فإنّه يعود من الغد إلى واقعه اليومي ويتوجّه كالعادة إلى مكان عمله.. أرى في هذا السلوك غير الجديد نوعا من التنفيس على المواطن العربي في ظلّ ما يعانيه من كبت على أصعدة متعدّدة..
وفي هذا السياق ذاته، هناك فرضيّة أخرى يُؤكّدها انتشار هذا المسلسل في أوساط واسعة من المشاهدين العرب، وهي أنّه على خلاف ما يُروّج غالبا باسم التراث العربي الإسلامي، فإنّ الطابع البشري التائق إلى التحرّر والانعتاق من مختلف المحرّمات هو الغالب في نهاية المطاف بصرف النظر عن التقاليد السائدة والإيديولوجيات المختلفة.. فالكبت الاجتماعي لا يُتيح مُطلقا توقف التاريخ.. ويُمكن أن نستدلّ على ذلك مثلا بالإقبال الواسع على مشاهدة هذا المسلسل في الأسر السعوديّة رغم الفتاوى الوهابيّة الغليظة التي حرّمت بثّ هذا المسلسل ومشاهدته مثلما حرّمت سابقا بيع الورود الحمراء واقتنائها..
رُكام من التنظير الإعلامي، رغم ما يكتنف بعضه من صحّة، يبدو في النهاية عديم الفائدة وكـ"النفخ في قِرَبٍ مثقوبة" حسب المثل التونسي.. معظم الجمهرة تشاهد المسلسل، فلماذا لا تـُترك لحالها وأحلامها وأوهامها.. صحيح أنّ الأنظمة القائمة قد يروق لها ذلك، ولكن فلتفعل.. ماذا سيتغيّر في الأمر.. !!

ليست هناك تعليقات: