2009-03-13

- حول الانفصام والكذب الرسمي...

حالة السودان.. "العجوزة هازّها الواد وهي تقول العام صابة"!!!

يبدو أنّ الحالة العربيّة أضحت فريدة من نوعها في العالم بأسره، حالة من الانفصام الذهني العارم غرقت فيها معظم الشعوب والحكومات فبلغت أوجها دون كبير أمل في أن تنقلب إلى ضدّها. فبقدر ما أصبحت الأمور مكشوفة لكلّ ذي عقل تصرّ مجتمعاتنا بممارسة التهافت على الكذب والانتهازيّة السياسيّة والنفاق الاجتماعي.

وربّما يُعدّ السودان مثالا ضاربا لهذه الحالة. فبعيدا عن الغوغائيّة الساذجة أصبح من المتفق عليه أنّ هذا البلد الأصيل يقبع اليوم في قرار أزمة متعدّدة الأبعاد، تسبّبت فيها سنوات من الحكم الشمولي المتسلّط والعدوّ لكلّ حراك اجتماعي وحداثي انتهى إلى أزمة إنسانيّة لا يمكن الوعي بها لمن تحكم أفقه الذهني الاعتبارات العرقية والطائفيّة الضيّقة.

جانب غير هيّن من الشعب السوداني ذاق ويلات الحرب والتهجير والمجاعة القاسية والتقتيل المنهجي. بلد النيل والتربة الطيّبة أضحى غير قادر على سدّ رمق الجياع ومداواة المرضى ولملمة جراح العاجزين.. فإغاثة هؤلاء آخر اهتمامات صاحب القرار ودَأبُه التشبّث حتى الموت بتلابيب السلطة والرقص رافعا السيف والبندقية في حضرة مهرجانات الولاء ودعوة مئات الوفود العربية والأجنبيّة للتصفيق للزعيم الأوحد.

وفي غمرة هذا العناء اللا محدود للشعب السوداني واصطفاف الغرب لتضييق الخناق على عمر البشير وما ينجرّ عن ذلك من تأزيم للأوضاع العامّة في البلاد، يُعلن أحد وزراء المشير البشير أنّ "السودان الآن مؤهل لاستقطاب رؤوس الأموال العربية والأجنبية، ويُعتبر الملجأ الآمن لهذه الأموال" لاسيّما أنّ معدّلات نمو الاقتصاد السوداني لم تتوقف ووصلت إلى نحو 16 بالمائة ومتوسّطها 9 بالمائة. هذا ليس من وحي الخيال وإنّما تصريح رسمي أعلنه أمس الأوّل وزير الدولة بوزارة الاستثمار السودانية سلمان سليمان الصافي، مؤكّدا أنّ "ما يوجّه ضد السودان من سهام لن تؤثر فيه" فقد أعدّت الحكومة السودانيّة نفسها لأيّ احتمالات تتعلق بحصار جديد أو مقاطعة اقتصادية على إثر قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوقيف الرئيس السوداني.

أتساءل: أيّ درجة من السذاجة ينبغي أن تتملّك نخبنا حتى تصدّق مثل هذا الكذب الرسمي الصريح... ربّما أجّجته وطأة الكراهية الشديدة للغرب الذي غذّى فرقتنا ونال من وحدتنا ورابط لمؤازرة أعدائنا وقد تنبع ممّا يتملّك الغرب من حقد دفين وحسد جسيم وغيرة ليس لها نظير إزاء طفرة التقدّم الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي التي أذهلت العالم المتقدّم!!

في الحقيقة ليس لي ما أضيف سوى أنّني استحضرت مثلا شعبيّا تونسيّا بليغا عن عجوز تكاد تغمرها مياه الوادي المتلاطمة ومع ذلك تأخذ في الصراخ بما استجمعته من أنفاس أخيرة أنّ هذا العام سيعمّه الرفاه بعد حصاد صابة وافرة بفضل الأمطار الغزيرة، يقول المثل التونسي: "لَعْزُوزَه هَازِّزْها الوَادْ وهِيَّ تقولْ العَامْ صَابَهْ"!!

ليست هناك تعليقات: