لو أطلق أحد المسؤولين الفرنسيين تصريحات مشابهة للتصريحات الإيرانيّة، هل كانت السلطات المغربيّة ستجرأ على قطع علاقاتها بفرنسا؟؟؟
أضحت السياسة الخارجيّة للعديد من الدول العربيّة مثار استغراب شعوبها المستضعفة وسخرية العالم المتقدّم. فهي لا تستند إلى الحدّ الأدنى من الحكمة السياسة التي تعطي الأولويّة لما يمكن أن تجنيه من التقاء المصالح، وإنّما تبقى رهينة للطوارئ من أمزجة أصحاب الجلالة. وإذا لم تكن ردود الأفعال الفولكلوريّة للرئيس السوداني عمر البشير مفاجأة إزاء قرار الإيقاف الذي أصدرته ضدّه المحكمة الجنائية الدولية بما أنّه وقع في فخّ أفعاله بعد أن فوّت سنوات طويلة لإنقاذ شعبه من بؤس المجاعة والحرب والتهجير، فإنّ رصيد المغرب من النجاحات الدبلوماسيّة قد بدأ يتآكل. ففي ظرف وجيز قطع علاقاته بدولتين صديقتين هما فينيزويلا وإيران. وقد قرأت ما ورد في بعض المواقع والمدوّنات المغربية، فلاحظت استغراب الكثير من الإخوة المغاربة من تلك القرارات التي جاءت على عجل وضربت في العمق ما يمكن أن يُسمّى بدولة المؤسّسات، فالخارجيّة المغربيّة المسكينة ربّما تكون آخر من علم بتلك القرارات.
خلافٌ مبني على تصريحات استفزازيّة عديمة الفائدة أطلقها مسؤول إيراني واجهته البحرين بحزم وحكمة دبلوماسيين وانتهى بإعلان وزير الخارجية البحريني في طهران بالذات بأنّ الخلاف قد سُوّي بعد. فلماذا هذا التهافت المغربي على صنع الأزمة. الواضح أنّ إيران في حدّ ذاتها لم تكن مُدركة للحساسيّة المفرطة التي يمكن أن تتعامل بها المغرب في حالة تمّ الزجّ بملكها في دائرة الخلافات. فبعد استدعاء الخارجيّة المغربيّة للسفير الإيراني في الرباط لإبلاغه احتجاجا شديدا على التصريحات الإيرانيّة المهدّدة لسيادة البحرين، بادرت الخارجيّة الإيرانيّة بإبلاغ رئيس البعثة المغربيّة بطهران "استياء الجمهوريّة الإسلاميّة إزاء مواقف الملك المغربي".. وهنا بيت القصيد، أمّا ما تمّ ترويجه فجأة عن الأنشطة غير الوديّة التي تقوم بها البعثة الدبلوماسيّة الإيرانية في الرباط من محاولات لتشييع المغاربة ذوي المذهب المالكي السنّي فهي -حتى وإن كانت إلى حدّ ما صحيحة- فإنّها لا تعدو أن تكون سوى ذريعة لتغطية ضيق صدر الملك إزاء حشْرِه في تبادل للاتهامات، وخاصّة بوصفه -في المنظومة الاجتماعية السياسية المغربية آخر "أمير للمؤمنين" لا يزال على قيد الحياة.
وهكذا فإنّ المزاجيّة غير المحسوبة هي التي أدّت إلى قرار المغرب بقطع علاقاته بإيران. وجعلته -على حدّ تعبير أحد الكتاب المغاربة- يُحطّم كلّ الأرقام القياسيّة في قطع العلاقات السياسيّة، ولكن لنفترض مثلا أنّ مسؤولا فرنسيّا (لا إيرانيّا) هو الذي أصدر موقفا ينال من هيبة الملك المغربي، فهل كانت المغرب ستقطع علاقاتها مع فرنسا؟، الأكيد أنّها لن تجرأ على ذلك، ففرنسا تُعدّ أكبر الشركاء الاقتصاديين والسياسيين للمغرب.فالتعامل مع فرنسا ومثيلاتها لا تدخل فيه اعتبارات الكرامة والفحولة...
كنت أعتقد منذ سنوات أنّ المغرب يفوق بأشواط معظم الدول العربيّة الأخرى في قدرته على التسويق والاتصال السياسي في المنطقة، غير أنّ الخطوات العشوائيّة التي أضحت تتسم بها سياسته الخارجيّة تؤكّد أنّه لا يزال اليوم في طور بلدان لم تطأ أقدامها بعد عتبة الحداثة السياسيّة...
2009-03-11
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك تعليقان (2):
المغرب مساند دول الخليج ضد إيران. يعني مقاطعة إيران هي من تحت راس الخليجيين، إلي عندهم برشة تأثير على أمير المؤمنين المغربي.
مؤخرا، السعودية شرات طيارات حربية أف سطّاش للمغرب. و زيد السعوديين قاعدين يستثمرو برشة في المغرب.
حسب ما طالعت في موقع صحيفة "المغربيّة"، يبدو أنّ بعض الأحزاب المغربيّة قد بدأت تردّد إسطوانة المؤامرة التي تحيكها إيران ضدّ المغرب الشقيق. وهو سيناريو يندرج في نطاق حملة موجّهة إلى الداخل.. وللأسف فإنّ هذا الأسلوب المتناهي في الركاكة والسذاجة والوصوليّة لا تنفرد به الأحزاب المغربيّة بل ينعكس على الباقي العربي.. وأتساءل من له أن يصدّق تلك اللغة الخشبيّة مثل القول بـ"الأطماع الإيرانية في المنطقة" فلو كان الأمر يتعلق بدول الخليج أو العراق لتفهّمنا ذلك، أمّا عن أطماع إيران في المغرب العربي فهذا عصيّ عن الفهم..
إرسال تعليق