2009-03-04

- الله أكبر، لقد تهشّـَم رأسه وزال فسقه!!!

التهليل لثقافة الموت

شاهدت بالأمس شريط فيديو مدّته 10 دقائق بشبكة فيس بوك يُصوّر مشهدا أقلّ ما يُقال فيه إنّه بشع وإجرامي بكلّ المقاييس إلاّ تلك التي يتبنّاها المتورّطون في تلك الفظاعة. وهو عبارة عن جمهرة من النّاس بصدد إنزال شخصين حيّين في حفرتين تمّ إلباسهما كفنين أبيضين ثمّ ردمت الحفرتين إلى ما تحت صدريهما لتثبيت الضحيّتين في الأرض، ومن ثمّ الأخذ برجمهما من كلّ حدب وصوب حتّى غطّت الدماء رأسيهما اللذين تهشّما تهشيما من وطأة الرجم، والجماهير تتهايج وتتصارخ مُنادية "الله أكبر" وكأنّ عدالة السماء قد نزلت وزال الظلم والفسق ومُسحت الخطايا..

من خلال عمائم بعض الراجمين الأعيان المشاركين في المجزرة تراءى لي أنّ الحادثة جدّت على الأرجح في إيران، وهي ممارسة لا تزال للأسف الشديد موجودة في أكثر من بلد إسلامي.. وربّما مازال الجدل فيها متعلّقا بنوعيّة أو حجم الحجارة والحصى المستخدمة في تهشيم رؤوس من يرميهم "القضاة" أو حتى "الجيران" بالزنا.. وهل بعد هذا يبقى للقول معنى.. فقط يمكن أن نصرخ : ما أبشعكم يا مغول التاريخ،،، ما أقذركم يا أصناما بلا عقول،،، ما أوسخكم يا بهائم بلا مشاعر،،،

وبعد أن ننسى قليلا تلك البشاعة يمكن أن نمضي في بعض التفكير والقول.. فقبل الإسلام كان من الرائج وأد المولودة الأنثى، كما كان قتل المرأة التي تُرمى بالزنا ممارسة آلية.. الإسلام طوّر وضع المرأة على ما كان عليه قبل ظهوره تمشيا مع تطوّر المجتمع آنذاك..

صحيح أنّنا كلّنا تقريبا نشترك -شئنا أم أبينا- في إرث ثقافي عربي إسلامي. والإشكال اليوم يتعلّق في رأيي بكيفيّة التمسّك بعد مرور 15 قرنا بحدود تتناقض مع الحدّ الأدنى لحقوق الإنسان مثل قطع الأيدي والجلد والرجم حتى الموت والتمييز في الميراث.. كلّ الحضارات الأخرى كانت توجد فيها تلك الأحكام والممارسات، لكنّها تخلّت عنها وجدّدت مفاهيمها سواء بروح التجديد التي صبغت دياناتها أو بحكم تطوّر الإنسانيّة التي ننتمي إليها جميعا. أمّا نحن فلا نزال نراوح النقطة الصفر بسبب التصدّع الفكري والتطرّف الأعمى والموت الحضاري الذي يخنقنا من كلّ جانب وذلك اهتداءً بسلف انكبّ اجتهاده على معاينة حاضره لا حاضرنا، وربّما التطوّر الاجتماعي قبل قرون طويلة قد يُبرّر ذلك، فهو رهين أدوات زمنه لا أدوات عصرنا.

والغريب أنّ البعض منّا أي بعض التونسيين -الذين يُفترض أنّهم لم يتتلمذوا على المذهب الوهّابي- قد يتفاعلون إيجابيّا مع تلك الممارسات الإنتقاميّة والإجراميّة البشعة.. فقد قرأت لأحدهم تعليقا على شريط الفيديو المذكور أنّ "الإسلام يُعطي الأولويّة للمجتمع ونقاوته قبل الفرد".. المشكل ليس في الإسلام في حدّ ذاته وإنّما في مثل هذه القراءة التأويليّة المتخلّفة بحثا عن تبريرات ساذجة وغير مقبولة لحدود أصبحت اليوم في حكم الجرائم..

لئن كنّا ضدّ جلد الذات، فإنّ حاضر الإنسانيّة يوجب علينا أن نكون في المقابل ضدّ الجلد والرجم أصلا... وللأسف يصعب إيجاد نقاط التقاء حتى لمجرّد حوار هادئ مع من يُؤمن بأنّ الديمقراطيّة وحقوق الإنسان ليست سوى وسيلة للانقضاض عليها..

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

c'est ce qui va nous arriver en Tunisie dès que les boula7ya prendront le pouvoir !