معبــــود الجماهيـــر!!
في جولتي المعتادة ليلا في شبكة فيس بوك، المليئة بالايجابيات والمكتنزة أكثر بالسلبيات، وجدّت دعوة أرسلتها إليّ صديقة أحترمها كثيرا وتدعوني فيها إلى الانضمام إلى طائفة "المحبّين" (fan) لأحد الفنانين الصاعدين. وبحكم تقديري للصديقة المذكورة لم أشأ تجاهل تلك الدعوة وحذفها آليا دون الردّ عليها لتبيان رأيي في ظاهرة الغرور والنفاق الاجتماعيين اللذين أصبحا يطبعان فئة مُدّعي الإبداع والتميّز والإلهام.. ولكنّ صديقتي التي لا أزال أكنّ لها كلّ الاحترام فاجأتني بحذف رأيي المتواضع ربّما حتى لا يخدش شعور الفنّان الناشيء ولا يُؤجّج بعض الآراء التي قد تؤدّي إلى دعاية مضادّة ليست في صالحه.. وفي ما يلي نصّ موجز لرسالة أودّ من خلالها إبداء رأيي في المسألة :
عزيزتي
عفوا فأنا لا أرى ذلك غير نوع من الغرور المبالغ فيه من قبل هؤلاء وفي المقابل أشعر بكوني سأكون في منتهى النفاق الاجتماعي والمهني لو أني انضممت إلى تلك الحلقات الفارغة.. لأنّنا ببساطة لا نعيش في عالم آخر بل هنا في بلاد نعرف ما فيها وما عليها، ولذلك أرى ضرورة الترفّع عن الانخراط في هكذا تيّار جارف مفرغ من أيّ مضمون سوى من التسويق الاجتماعي الفجّ..للأسف رسالتي لم تصلك، فتمسّكت بظاهرها وربّما اعتقدت أنني أنتقدك إلى درجة أنّك حذفت ما كتبت... والمسألة لا تتعلّق بمدى ثقتي باختياراتك وخلتك تعلمين اعتزازي بك صديقة قريبة، وربّما لذلك أوضحت لك رأيي في ظاهرة ساعدت شبكة فيس بوك على إظهارها وهي أنّ الجميع أصبح يُسوّق لنفسه وكأنّه فعلا معبود الجماهير...
والأكيد أنك تلاحظين كيف أنّ العشرات من الزملاء الإعلاميين أو من "الفنانين" الناشئين وأشباهم والرياضيين بمختلف درجاتهم لا يتورّعون عن دعوتنا إلى الانضمام إلى مجموعات تسمهم بأنهم الأفضل والأكفأ، حتّى أنني تلقيت بالأمس دعوة من أحد المقدّمين لبرنامج تلفزيوني حواري كُتب عليها أنه أفضل صحفي في تونس!!
أودّ أن أوضّح أنّ الاستثراء الفاحش لبعض الرياضيين الجهلة أو أشباه الفنّانين بواسطة التهريج المفرط السائد اليوم في الكثير من الفضائيّات والمستفيد خصوصا من الفراغ النفسي والثقافي للجموع لا يعطي لهؤلاء الحق مطلقا في الضحك على ذقوننا.. فلئن كنّا ممّن لم يختر الجاه، فعلينا على الأقل واجب التمسّك بدورنا في نبذ النفاق وفي قول الحقيقة المرّة في وجوه هؤلاء الأشباه..
أقول لك بصراحة : أنا أكنّ لك الاحترام والتقدير كلّه، وقد تكونين أقدر منّي على معرفة الطاقات الفنيّة الناشئة بحكم اهتماماتك المهنيّة، ولكن هناك درجات من السلّم يجب اعتلاؤها واحدة بواحدة لمن يروم في نفسه القدرة على العطاء الفنّي والإبداعي، وينأى بنفسه عن السائد المستهلك والمبتذل.. فالتواضع سمة نبيلة أضحت للأسف عملة في طور الانقراض ليس فقط لدى هؤلاء المتسلّقين الانتهازيين والمتنطّعين المفرغين من الحدّ الأدنى من الثقافة والمعرفة وإنّما كذلك لدى بعض من يُفترض أنهم مستنيرون من أصحاب العلم والفكر..
هذا مجرّد رأي أسوقه من باب الودّ والتقدير..
دمت بخير
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق