طبيب فلسطيني قُتلت بناته الثلاث يتلقى خطابا بترشيحه لجائزة نوبل للسلام
نشر عدد من وسائل الإعلام الأيّام الماضية الخبر التالي:
تلقى طبيب فلسطيني فقد ثلاثا من بناته خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة خطابا من لجنة جائزة نوبل بالسويد تبلغه رسميا بترشيحه لجائزتها للسلام. وقال عز الدين أبو العيش لصحيفة يديعوت أحرونوت إنه تلقى النبأ بعد لقاء جمعه برئيس البرلمان الأوروبي خلال زيارة بلجيكا حصل خلالها على "المواطنة الشرفية" من الحكومة هناك. وأضاف أنه لا يستطيع أن يعبّر عن ردّ فعله الأوّلي على الترشيح، مضيفا أنّ الجائزة ربّما تحوّل مأساته إلى شيء إيجابي للبشرية. كما أوضح أنه في حال فوزه بها فسيهديها للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قصفت منزل أبو العيش في مخيم جباليا وقتلت ثلاثا من بناته وابنة أخيه إضافة إلى جرح عدد آخر من أفراد عائلته. وأبلغ وزير محاربة الفقر في بلجيكا جاك مارك ديلزي لجنة جائزة نوبل بترشيح أبو العيش تقديرا لجهوده في نشر ثقافة السلام.
واعتبر الطبيب المكلوم هذا الترشيح نصرا للشعب الفلسطيني والإنسانية وثقافة السلام والحبّ ضدّ سياسة الحرب والدم. ويعمل أبو العيش باحثا بمستشفى تل هشومير الإسرائيلي، وهو أيضا طبيب متخصّص بأمراض النساء والتوليد ويعمل بعدد من مستشفيات إسرائيل. ويقوم الطبيب حاليا بجولة بعدد من العواصم يشرح فيها المخاطر الإنسانية المحدقة بقطاع غزة. كما يحاول أن ينفذ مشاريع تطويرية بالقطاع المحاصر. وألقى أبو العيش خطابا أمام البرلمان الأوروبي حذر فيه من تواصل الحصار على غزة، داعيا لإنهاء عمليات القتل وهدم "جدران الكراهية" وبناء جسور المحبّة بديلا عنها.
التـعـلـيـــق :
أوّلا : بغض النظر عن انتماءاتنا، عربيّة كانت أو إسلاميّة، فإنّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة يُعّد، قبل تلك الاعتبارات، جريمة ضدّ الإنسانيّة جمعاء. وفي هذا النطاق، يمكن أن نُقارب هذا الخبر المعروض أمامنا، لأنّ ما حدث لهذه العائلة مأساة جسيمة وجريمة منظّمة وبشعة بكلّ المقاييس..
ثانيا : إنّ لهذا الطبيب الفلسطيني والأب الذي فقد بناته الثلاث وابنة أخيه الحريّة في أن يتبنّى الأفكار التي يُريدها، كأن يكون داعية للسلام، سواء انطلاقا من فلسفة التعايش السلمي بين الشعوب أو أخذا بعين الاعتبار اختلال التوازنات القائمة بين الجانبين المتصارعين على كلّ الأصعدة. وقد اطلعت على العديد من التعاليق تعمد إلى تخوين الطبيب المذكور ووصفه بخادم اليهود والصهيونيّة، وهي مواقف تقوم أساسا على العاطفة والاعتبارات الإيديولوجيّة لا غير.
ثالثا : هذا الطبيب أعلن أنّه لا يستطيع التعبير عن ردّ فعله الأولي على ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، في حين أنّه أعلن أنّ في حال فوزه بها سيُهديها للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. وهذا يعكس تناقضا واضحا في تصريحاته لوسيلة الإعلام ذاتها، بما يعني أنّه أقرّ سلفا بقبوله بهذه الجائزة.
رابعا : اختار هذا الطبيب أن يُدلي بتصريحه للصحافة الإسرائيليّة التي كانت خلال العدوان الإسرائيلي على غزّة الذراع الدعائي الأبرز لهذا العدوان. وهو ما لا يُمكن أن أراه اختيارا بريئا، بل يندرج في نطاق الترويج في الداخل الإسرائيلي لنمط من الفلسطينيين ممّن لا يتجاسرون على المسّ بمقوّمات الدولة الإسرائيليّة وبالخطوط الحمر التي ترسمها كيفما شاءت.
خامسا : الأخذ بالمعادلات السياسيّة القائمة يُعدّ من المقوّمات التي توجّه "مؤسّسة جائزة نوبل السويديّة" وهو ما يظهر في "جائزة نوبل للسلام" أكثر من غيرها من الجوائز. ويُلاحظ من خلال ترشيح الأنظمة الأوروبيّة للطبيب الفلسطيني لنيل الجائزة أنّ أوّل شرط أخذت به هو تجاوزه وعدم تشهيره بالفظائع والجرائم المنهجيّة التي ترتكبها إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني بمختلف فئاته. وهذا يعكس إلى حدّ مّا رغبة الأوروبيين في التكفير عن ذنب صمتهم الرهيب إزاء المجازر الإسرائيليّة ضدّ الفلسطينيين الأبرياء.
سادسا : لا غرابة أن تُسند هذه الجائزة إلى الطبيب الفلسطيني المذكور فعلا بما أنّ حكومات أوروبيّة تقف وراءها، لكن يمكن أن نتوقّع أيضا تُسند إليه مناصفة مع شخصيّة إسرائيليّة من دعاة السلام، وهذا يدخل طبعا في الخلفيّات السياسيّة المتجذّرة في مؤسّسة جائزة نوبل و"حكمائها" فقد سبق أن أسندت إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "إسحاق رابين" المنعوت بمكسّر عظام المعتقلين الفلسطينيين، وكذلك لرفيق دربه الرئيس الإسرائيلي "شمعون بيريز" (مناصفة مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات) الذي سبق أن ارتكب مجزرة قانا بلبنان وبارك مؤخرا العدوان على غزّة..
سابعا : بعيدا عن الخطاب العاطفي الموجّه، من قبيل النخوة والكرامة ودماء الشهداء وغيرها من الاعتبارات الحقيقيّة المؤلمة، هناك توازنات تحكم العالم ينبغي أخذها بعين الاعتبار في نطاق التمسّك الثابت بالحقوق المشروعة. ولذا أرى أهميّة استثمار هذه الجائزة سياسيّا في حالة الحصول عليها واحتضان الطبيب الفلسطيني عربيّا دون إغفال الوعي بخلفيّاتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق