2008-11-26

- أوباما والإعلام

"الأوبامانيا".. قد لا تطول كثيرا !!
لم تكن وسائل الإعلام -في تقديري- حليفة أو منحازة لباراك أوباما بقدر ما كانت أسيرة للحالة السوسيونفسيّة التي أحدثتها حملته الانتخابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة وفي العالم بأسره. كانت حملة من نوع خاص جدّا، عاشتها شعوب معظم بلاد العالم وكأنّها تحدث فيها بل وكأنّ أوباما مرشح ليكون رئيس كلّ من تلك البلدان، لا رئيس الولايات المتحدة وحسب. وقد طالت هذه "الحمّى" لا فقط دول العالم الثالث وإنّما أيضا الدول المصنّعة دون استثناء.
ولا ريب أنّ ظروفا عديدة قد كان لها أثرها البالغ على وسائل الإعلام في العالم لتشكيل صورة كاريزمائيّة لأوباما، ومن بينها تراكم أوجه الفشل على سياسة الرئيس الأمريكي الجمهوري جورج بوش الابن سواء على المستوى الداخلي في الولايات المتّحدة أو على الصعيد الدولي بدءا بالتململ من الحرب على العراق وما رافقها من فضائح شوّهت صورة أمريكا، ومرورا بانكشاف أكاذيب إدارة بوش والامتعاض المتصاعد ممّا تسميه بالحرب على الإرهاب الذي تحوّل إلى ممارسة إرهاب متبادل مع الجماعات المتطرّفة ولكن أيضا ضدّ الأبرياء العزّل، ووصولا إلى أزمة الرهن العقاري في أمريكا وما أحدثته من أزمة ماليّة خانقة طالت انعكاساتها معظم بلاد العالم. كلّ هذه الجوانب عرف أوباما كيف يستثمرها في حملته وتلميع صورته إعلاميّا بوصفه حاملا لواء التغيير وباعتباره سيردّ لأمريكا قيمتها الاعتباريّة كدولة ديمقراطيّة. وكأنّه بذلك قد أضحى المنقذ من الضلال بتعبير الغزالي أو المهدي المنتظر بالتعبير الشيعي.
ولا ينبغي أن ننسى أنّ أوباما قد تبنّى إستراتيجيا اتصاليّة وإعلاميّة ذكيّة جدّا، فتجنّب الخوض في مواضيع محرجة، وقدّم نفسه على أنّه شخصيّة جامعة لن تُقصي أيّ فئة من المجتمع الأمريكي بما في ذلك الفئات المهمّشة. فقد جاء محمّلا بإرث من دعاة التغيير في أمريكا ليُحقّق حلمها المهدور. ولذلك ما فتئت وسائل الإعلام تبثّ قوله : "لقد جئت على أكتاف كينيدي ولوثر كينغ". كما أنّ السجل المظلم لأمريكا في ممارسة التمييز العنصري إزاء السود قد أفاد أوباما الأسود ذي الأصول الإفريقيّة شعبيا وإعلاميّا. ويُذكر، في هذا المضمار، أنّ موقع "موف وان" على شبكة الإنترنت قد تمكّن في بداية الحملة الانتخابية الأمريكيّة من جمع نصف مليون توقيع أرسلها إلى تلفزيون "فوكس" يدعوه إلى وقف الهجوم العنصري ضدّ أوباما.
أوباما ركّز حملته الانتخابيّة على تحقيق "التغيير" الجذري، فأضحت صورته داخليّا وخارجيّا مرادفا لهذا المعطى. وانخرطت وسائل الإعلام في هذا المنطق فجعلت منه مثالا للزعيم الشابّ الذي يلهب الجماهير حيثما حلّ، في حين أنّ غريمه جون ماك كين سيناتور عجوز قضى في الكونغرس زهاء أربعين عاما وربّما لطّخته أيضا صورة المحارب المزهوّ بماضيه العسكري في حرب فيتنام وهي حرب أساءت لسمعة أمريكا في الداخل والخارج، حتى أصبحت هناك قناعة واسعة بأنّ ماك كين في حالة فوزه سيجترّ رصيد إدارة الرئيس جورج بوش التي غذّت بؤر التوتّر فرسّخت صورة لأمريكا سئم العالم عنجهيّتها المتزايدة.
التكنولوجيا الحديثة للإعلام والاتصال من مواقع واب ومدوّنات ومنتديات وشبكات اجتماعيّة افتراضيّة أسهمت بدورها في نحت شخصيّة رجل التغيير التي يختزلها أوباما. ومن ثمّة دفعت تجاه إلزام وسائل الإعلام بمسايرتها والخضوع لرمزيّة شخصيّة أوباما وجاذبيّتها، فالأمر يفوق مجرّد الانحياز السياسي لهذا التيار أو ذاك. يقول لي كوان أحد كبار الصحافيين في محطة "أن بي سي" التلفزيونيّة الأمريكيّة "ليس سهلا أن أكون محايدا، أوباما مثل مرض مُعدٍ". وقد أفاد سبر أراء أجراه مركز راسموسين للاستفتاءات الأمريكي أنّ نسبة 50 بالمائة من الصحافيين كانت تريد فوز أوباما في حين لا تتجاوز نسبة من يريد فوز ماك كين 15 بالمائة، وهي نسبة لم يتم تسجيل مثيل لها في أمريكا من قبل حتى في عهدي كيندي وريغان اللذين كانا يتمتّعان بشعبيّة عالية.
ومع كلّ ذلك، فإنّ الآتي لن يكون هيّنا بالنسبة إلى الرئيس الجديد. ومن الصعب أن يحافظ على الهالة الإعلاميّة الأخّاذة التي يتمتّع بها اليوم، إذ سيواجه إرثا شائكا ستتركه له إدارة الرئيس بوش. وفي صدارته الصعوبات الاقتصاديّة المرتبطة بأزمة ماليّة وعقاريّة مستفحلة في الولايات المتحدة يصعب تجاوز انعكاساتها في فترة وجيزة. ولا شكّ أن وسائل الإعلام سواء في أمريكا أو خارجها لن تبقى على تحالفها الطوعي مع أوباما بل سترصد مدى نجاحه في الوفاء بتعهّداته الصعبة التحقيق. وقد تنطفئ آنذاك شعلة الأوبامانيا وربّما نشهد لها نظيرا آخر..
ملاحظة: هذا النصّ كتبته بطلب من الزميل الصحفي أمين بن مسعود الذي اقتبس منه بعض الأجزاء وظفها في مقالة عن "أوباما والإعلام" من وجهة نظر بعض الإعلاميين التونسيين. وقد نشرها في العدد الأخير من صحيفة "الأنوار" التونسيّة. وها أنا أنشر مقالي في المدوّنة كاملا.
(مصدر الصورة: رويترز Reuters)

ليست هناك تعليقات: