2009-05-10

- الولاء والانتماء...

بعض اليهود التونسيّين : ولاؤهم لتونس أم لإسرائيل؟؟
هل من حقّ الأقليّات أن ترمي عرض الحائط مصالح الأغلبيّة ومخيالها الجمعي وعمقها الثقافي؟؟ سؤال فرضته علينا المطالبة المقنعة لرئيس الطائفة اليهودية في جزيرة جربة التونسيّة بالتطبيع بين تونس وإسرائيل...
قلّ أن يوجد بلد في العالم ليس فيه أقليّات ذات خصوصيّات عرقيّة إثنيّة أو دينيّة أو مذهبيّة. وتجمع القوانين والأخلاق العامّة والحقوق الإنسانيّة والشرائع الدينيّة على ضرورة معاملة الأغلبيّة للأقليّات على أساس المساواة في الحقوق والواجبات. وقد ترى بعض التيّارات الحقوقيّة جدوى ممارسة ما يُعرف بالتمييز الإيجابي إزاء أقليّة مّا بهدف الحفاظ على خصوصيّاتها والحؤول دون اندثارها أو ذوبان مميّزاتها الثقافيّة والأنتروبولوجيّة في نطاق الأغلبيّة. وفي ذلك تتعدّد الأمثلة، ففي الولايات المتحدة الأمريكيّة مثلا يتمتّع الهنود الحمر بحوافز عديدة من بينها إعطاؤهم الأولويّة في الإشراف على بعض القطاعات، وهو إجراء قد ينمّ عن الرغبة في تجاوز مخلّفات قرون من الإبادة المنهجيّة لشعب كان في يوم من الأيّام صاحب الحق والكلمة الفصل في تلك الأرض.
إذن فباستثناء ما قد تدعو إليه أو تمارسه الإيديولوجيّات القوميّة المنغلقة أو الأنظمة الكليانيّة أو الكيانات المحتلّة بحق الأقليّات من تعسّف وتطهير عرقي، فإنّ التنوّع بمختلف فئاته يُفترض أن يكون عنصر إثراء وبناء مثلما هو الحال في دول الاتحاد الأوروبي، ولكنّه قد يتحوّل كذلك إلى عامل هدم وصدام كما هو الأمر في العراق أو لبنان أو تركيا أو الهند على سبيل المثال..
في تونس، لم يبق من الأقليّة اليهوديّة سوى ما يناهز الألفين. وكان عدد اليهود التونسيين زمن الاحتلال الفرنسي لتونس يُقدّر بعشرات الآلاف، وبإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 ثمّ باستقلال تونس سنة 1956 بدأت موجة هجرتهم نحو أوروبا وإسرائيل ووصلت أوجها بُعيْد حرب حزيران 1967. ولتلك الهجرة الجماعيّة أسباب متعدّدة، يعود أهمّها في تقديري إلى مشاعر السخط والكره التي انتابت فئات كبرى من التونسيين إزاء اليهود بسبب جرائم الحركة الصهيونيّة في فلسطين بين ما يُسمّى بالنكسة والنكبة. وربّما عاش اليهود التونسيّون أوضاعا صعبة في تونس آنذاك نظرا إلى تلك الأسباب. وإذا كان بعضهم فضّل الهجرة إلى فرنسا بالخصوص بهدف تحسين أوضاعهم الاجتماعيّة، فإنّ آخرين غيرهم كانت تنازعهم دوافع سياسيّة وإيديولوجيّة. وفي هذا المضمار تُثبت الوثائق التاريخيّة أنّ "جمعيّة أصدقاء صهيون" المتغلغلة آنذاك في العديد من دول العالم ومن بينها تونس كانت تنشط بشكل مكثف لجمع الأموال تيسيرًا لهجرة اليهود نحو إسرائيل وإسهاما في بناء أركان دولة "أرض الميعاد" حسب الإيديولوجية الصهيونيّة. وهذا لا ينفي أن هناك يهودا تونسيين آخرين صمدوا أمام تلك الإغراءات وفضّلوا البقاء في بلدهم تونس وشاركوا في الحركة الوطنيّة من أجل الاستقلال، كما كانوا من أشدّ المُشهّرين بالمخطّطات الصهيونيّة في فلسطين.
وما أثار انتباهنا اليوم هو هذه الدعوة المحمومة التي لا يتردّد رئيس الطائفة اليهوديّة في جزيرة جربة بيريز الطرابلسي ونظراؤه في إطلاقها سنويّا بفتح خطّ جوّي مباشر بين إسرائيل وتونس بما سيُتيح توافد ما يُناهز عشرين ألف إسرائيلي على جزيرة جربة سنويّا للمشاركة في الاحتفاليّة السنويّة بمعبد "الغريبة" اليهودي الواقع بجزيرة جربة. لسائل أن يسأل إذن : ما هي خلفيّات هذه الدعوة المتكرّرة، أهي سياسيّة أم تسعى فقط إلى تحصيل موارد ماليّة إضافيّة؟
في كلّ الأحوال، لا يُمكن أن نفهم هذه الدعوة إلاّ على أنّها مطلب مقنّع للتطبيع الكامل بين تونس وإسرائيل، وهل يُمكن أن يعني الخط الجويّ المباشر أقلّ من ذلك في الوقت الذي لا توجد فيه خطوط جويّة مباشرة بين تونس وبعض الدول العربيّة؟ أم أنّ المطلوب هو مجرّد رحلات جويّة مباشرة من نوع "شارتير" أيّ تقتصر على فترة "حجّ" اليهود إلى المعبد اليهودي التونسي المذكور؟ ببساطة لا أعتقد في منطق هذا التأويل القاصر، وأرى أنّ بيريز الطرابلسي يُدرك ذلك جيّدا.. أمّا التفسير السياحي والمالي لتلك الدعوة فهو لا يستقيم بدوره، لأنّ عشرين ألف سائح ليس له مردود مالي يستحقّ الذكر بالنسبة إلى بلد مثل تونس يستقبل نحو سبعة ملايين سائح أجنبي سنويّا. والأكثر من ذلك أنّ زيارة هؤلاء السيّاح اليهود إلى تونس تحتاج إلى تكلفة مالية ولوجستيّة باهظة نظرا إلى ضرورة الاستنفار الأمني في المنطقة تحسّبا لأيّ طارئ ولو كان بسيطا، باعتبار أنّ معبد "الغريبة" سبق له أن تعرّض لعمليّة إرهابيّة أدّت للأسف إلى تضاؤل غير مسبوق في توافد السيّاح الألمان على تونس. سؤال آخر لا نعرف له جوابا وهو: إلى أين تذهب الأموال التي تُجمع في تونس بمناسبة احتفاليّة معبد "الغريبة"؟ لا شيء يُؤكّد أن تلك الأموال تُخصّص -كما يُروّج- ليهود جربة التونسيين أو لما يُسمّى بصندوق "الكوميتة" المخصّص لإعالة الأسر اليهوديّة المعوزة في تونس على قلّتها.
صحيح أنّ حريّة التعبير تتيح لأيّ شخص الإعلان عن أفكاره السياسيّة بما في ذلك الدعوة إلى تطبيع العلاقات مع دولة يعدّها معظم الشعب التونسي في مقام العدوّ نظرا إلى انتهاكاتها المنهجيّة الصارخة لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، لكنّ ذلك لا يسمح في الآن ذاته أن تتخفّى تلك الدعوة وراء تعدّد الولاءات. فيهود تونس هم تونسيّون وولاؤهم ينبغي أن يكون لتونس وحسب. ولا اعتقد أنّ السلطات التونسيّة تسمح بأن يكون لبعض مواطنيها "جنسيّة" مزدوجة تونسيّة-إسرائيليّة بشكل رسميّ أو غير رسميّ، لاسيّما أنّ دماء عدد من التونسيين والفلسطينيين قد أسالتها عمليّات إرهابيّة سابقة لأجهزة الموساد في تونس بالذات... 
لئن كان التعايش بين أبناء البلد الواحد من قبيل المسلّمات مهما تعدّدت أعراقهم أو مذاهبهم، فإنّ مسألة الولاء للوطن دون سواه تُعدّ بدورها تجسيدا للانتماء...

هناك 6 تعليقات:

tunisianblogger يقول...

كلامك صحيح ومسؤول و للاسف فمّة برشة يهود توانسة عندهم علاقات كبيرة مع اسرائيل وفمّة حتى شكون عندو الجنسية الصهيونية ويعيش في فلسطين المحتلّة... وهذا نعتبروا شيء عادي اذا ما اخذنا بعين الاعتبار نظرة السّواد الاعظم متاع اليهود في العالم اليوم لاسرائيل اذ انّها تمثّل الوطن بالنّسبة ليهم ولذى اغلبهم عندهم الولاء لاسرائيل لكنّهم لا يجاهرون بذلك الاّ في حالات معينة وذلك لغاية في نفس يعقوب... وفي الآن ذاته، يواصلون مسرحيّاتهم متاع التّظلم وهوما ملايكة ومتسامحين و...و...و...واللّي في القلب في القلب

Zizou From Djerba يقول...

Famma barcha twensa andhom double nationalite. et donc on ne peut pas leur demander de favoriser un pays par rapport a un autre.

Zizou From Djerba يقول...

En plus mannajmooch nehrmu ennass elli aslhom men Tounes men ha99hom fil Hadj be 3adam i9amet vol direct l2assbeb syassia.

tunisianblogger يقول...

@ zied:

"et donc on ne peut pas leur demander de favoriser un pays par rapport a un autre"

Mais crois moi eux ils favorisent, même s'ils font semblant de nous aimer... ce qui est au fond du coeur y est!! et ça c pas moi qui le dit mais bcp de juifs tunisiens que j'ai cottoyé...

De plus, es-tu au courant que la Tunisie n'a pas de vols directs vers des pays arabes?!walla ta3rafchi kifech pourquoi eux ils n'arrêtent pas le blocus de gaza??

tunisianblogger يقول...

@ zied:

hajja okhra tu as oublié qu'israel est considéré comme étant ennemi de la Tunisie et c'est le seul pays qui a attaqué notre chère patrie militairement (en 1985) depuis notre indépendance chose qui a causé la mort de 73 personnes????

a3mel talla:

http://a-free-tn.blogspot.com/2009/03/rappel-historique-hammam-chat-1985.html

"شبه مواطن" يقول...

نعم فإنْ كنّا نتفق على الرفض القاطع للإرهاب والعنصريّة في بلادنا على أساس رفضنا لمصادرة الوطنية باسم الديانة، فإنّه لا ينبغي على الأقل أن نمارس سياسة "لا أسمع لا أرى لا أتكلّم" باسم التسامح مع من يُدافع بكلّ "الوسائل" على الجرائم التي تمارسها إسرائيل في فلسطين المحتلة وحيثما شاءت في العالم.