التكفيريّون والانتهازيّة وجهان لعملة واحدة..
مكّة وما جاورها هي قلب الإسلام ما في ذلك أدنى شكّ.. ولكنّ بعض أهل هذا القلب قد أُصيب بعاهة الإرهاب الكريهة، فتحوّلوا إلى مُصدّري فكر رجعي يُؤسّس لثقافة القتل والتكفير والدعوة إلى مُمارسة الإرهاب والتصفية الجسديّة في أبشع صورها.. في الماضي كان تمرير دعوات الكراهيّة منحصرا في حدود معيّنة، تنطلق من مؤيّدي المذهب الوهّابي إلى بعض الجموع المحليّة وقلّما تخرج عن حدود مملكة آل سعود بحكم اعتمادها على الوسائل التقليديّة والاتصال الشفهي والمباشر.. وكان النظام السعودي يُشجّع على هذا التوجّه مُعتبرا إيّاه خير حزام لنظام الحكم القائم.
أمّا اليوم فقد أصبحت رموز هذي البلاد على مرمى حجر من الإرهابيين ومروّجي دعاوى الإرهاب بفعل السياسة التي اعتمدتها سنوات طويلة. ويبدو أنّ الحابل قد اختلط بالنابل في السعودية، فأضحى التدمير الذاتي مستحكما. فقد شاهدنا السنوات الماضية أنّ الأعمال الإرهابية التي ضربت البلاد جاءت من أناس لم يغادروا السعودية قطّ، بل أخذوا تعاليمهم شيوخ المدارس الوهابية التي تعجّ بهم المملكة.
وقد لاحظنا أنّ حملة رسميّة لامست بعض هؤلاء الشيوخ المتعصّبين خلال الأيّام الماضية، لا لمكافحة فكرهم الإطلاقي وإنّما لأنّ فتاوى القتل والتكفير قد أصابت بعض أفراد العائلة الحاكمة والقوى النافذة في السعوديّة. وفي هذا النطاق تندرج فتوى رئيس مجلس القضاء الأعلى السعودي بقتل أصحاب القنوات الفضائية التي تبث ما وصفه بـ"برامج تحث على الفتنة والفساد". ومن المعلوم أنّ فضائيّات عربيّة كبرى عدّة يمتلكها ويُموّلها أمراء ورجال أعمال سعوديّون ومن أشهرهم على الإطلاق الأمير الوليد بن طلال صاحب شبكة قنوات "روتانا". ولذلك جاء الردّ على تلك الفتاوى سريعا وصريحا ومُعلنا. وقد لاحظنا في الآن ذاته وعلى غير العادة تراجع هؤلاء التكفيريين عن مواقفهم وفتاويهم بدعوى تأويلها تأويلا خاطئا، بما عكس سلوكا سياسيّا انتهازيا غير غريب عن أصحاب الأفكار التكفيريّة بسبب غضب أولياء أمورهم لأنهم كانوا الهدف هذه المرّة.
وتأسيسا على ما سبق يتضح البعد غير المبدئي في الرجّة التي حرّكت الأجهزة الرسميّة التي هاجمت هؤلاء التكفيريين، في حين أنّها تتغاضى عن مثل هذا الصنيع عندما يكون الهدف خارجيّا، بل وقد شهدت التجارب في بعض الدول العربية ضلوع تلك الأجهزة ذاتها في التأليب ضدّ من يُحارب الفكر التكفيري المتعصّب.في كلمة، إنّ الظلاميّة كتلة عمياء لا حبيب لها، تمقت الاختلاف وتستبعد التسامح والحريّة، وعندما تشتدّ لا تميّز بين صانعها وكاشف حقيقتها..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق