2008-09-06

- عن رئيس الدولة والإعلام المتخشّب

السفينة والربّان والمنظار..
ألا يمكن أن نتحدّث عن رئيس الدولة في إعلامنا إلاّ بلغة واحدة أو خطاب واحد.. ألا يمكن أن ننظر إليه سوى نظرةَ من يضع على عينيه عصابة سوداء، فلا يُبصر إلاّ ما رسخ بذهنه من أفكار مسبقة أو صور حنطتها الرقابة الذاتية والضمير الميّت والمبالغة السقيمة...

أرى أنّ رئيس الدولة ورئيس أيّ دولة لا يحتاج للغة الخشبيّة لدعم النظام الذي يقوده، أراهُ في غنى عن لغة الإطراء والمدح المكذوب، كفانا هذا الخطاب القاصر، فقد سأمنا منه لشدّة ما يكتنفه من نفاق...
رئيس الدولة هو قبل كلّ شيء إنسان، يقضي جزءا هامّا من اليوم في العمل لكنه كأيّ مواطن آخر له حاجات ومشاغل حياتية وشخصيّة أخرى، يعمل وينام ويصحو ويمكن أن يتعرّض للإعياء والمرض، له طاقة معيّنة، فلا يمكنه أن يعمل ثماني وأربعين ساعة في اليوم الواحد، مثلما تـُصوّره وسائل الإعلام، مؤلّهةً إيّاه اعتقادا بأنها تـُسدي الخدمات المطلوبة منها، في حين أنّها تـُسيء بذلك إليه وإلى البلاد جمعاء...
المهام العسيرة لأيّ رئيس دولة تتطلّب منه أن يكون دائما على صواب لكنّه كجميع البشر يمكن أن يُخطئ ويُصيب.. فهو يعمل في نطاق الممكن، والسياسة تخوض أساسا في فنّ الممكن، لكنّها ليست بفنّ وإنما هي عمل وتضحية وقناعات وفطنة ومرونة وصبر ونفاذ البصيرة، بل السياسة أيضا قدرة على التجاوز والاستماع...
رئيس الدولة بمثابة ربّان يختزن تجارب كثيرة أتاحت له قيادة سفينة ضخمة، قد تسير أياما أو أشهر أو أكثر في مياه هادئة ساكنة تـُتيح الإبحار الرائق والصيد الوافر، ولكنّ السفينة قد تواجه أيضا أمواجا عاتية وعواصف هوجاء، فيمسك الربّان بمقود النجاة ويبقى همّه قبل كلّ شيء إنقاذ السفينة ومن على متنها من الغرق أو الارتطام بالصخور الكاسرة في حال فقد بصيرة التمعّن في العواصف المقبلة أو حاد عن السبيل السويّ الذي يستلزمه دوره للقيادة...
الإعلام البنّاء جزء من طاقم السفينة، ومن مهامه أن يكون موجودا فاعلا عندما يخوض المركب عباب البحار، يُمسك بالمنظار جيّدا ليُنبّه الربّان في حال وجود عواصف آتية أو أخطاء وانتكاسات في فنّ القيادة... الإعلام البنّاء لا ينام سواء زمن الهدوء أو زمن الأهوال... لا يبقى الإعلام واهنا مُتعلّقا بالأخشاب الجامدة ومُتـّكلا على قدرة قادر قدير وتاركا المنظار وحيدا ومُصوّرا السماء خالية تماما من الغيوم، إنّه بذلك لا يخدم لا السفينة ولا الربّان، بل يحيد عن ثقة كلّ من يتوق أن تحمله السفينة إلى برّ الأمان...

ليست هناك تعليقات: