احتفالات كأُفّ..!!
صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ نصف قرن، وفي يوم 10 ديسمبر المقبل وما جاوره يتمّ الاحتفال بالذكرى الخمسين لصدور هذا الإعلان التاريخي. كلّ دول العالم بلا استثناء تحتفي بهذا الحدث، كلّ بطريقته وخصوصيّته وسياقه الخاص يُخصّص احتفالات متفاوتة الأهميّة والضخامة للتنويه بهذا الحدث، إمّا اقتناعا فعليّا بالأهميّة الجسيمة التي يُشكّلها على صعيد المراحل التاريخيّة التي مرّت بها البشريّة أو استثمارا انتهازيّا لهذه المناسبة العالميّة لا وجود لما يُبرّره على أرض الواقع.
ومع ذلك، أكاد أجزم للأسف الشديد أنّ جميع دول العالم مُغرقة -بنسب متفاوتة- في انتهاك ما جاء في هذا الإعلان من حقوق. و"أخفّ" هذه الانتهاكات التي لا نرى بلدا في العالم معصوما منها هي السكوت عمّا يجري من جرائم منظمة في العديد من المناطق سواء ارتكبتها وترتكبها دول عظمى أو صغرى، فضلا عن الجدل الأخرس بشأن تغليب الخصوصيّة أو الكونيّة في التعامل مع حقوق الإنسان في حين أنّ الحقوق والحريّات لا يمكن تجزئتها حسب مزاج الأشخاص أو المؤسّسات، والأمثلة في كلّ ذلك لا عدّ لها ولا حصر...
- الدول العربيّة جميعها تحتفل بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي من أكثر دول العالم انتهاكا لحقوق الإنسان الاجتماعيّة والسياسيّة تحت ذريعة احترام الخصوصيّات والتطوّر المتوازن للمجتمعات...
- إسرائيل ستحتفل بدورها بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في حين أنّها من أوّل دول العالم التي تـُمارس يوميّا القتل والتعذيب المنهجي على الفلسطينيين العزّل والمسلّحين. واحتفال هذا العام سيكون له طعم خاصّ بالنسبة إلى الإسرائيليين والصهاينة، لأنّ إعلان تأسيس دولة إسرائيل سبق صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ببضعة أشهر لا غير..
- الولايات المتحدة الأمريكيّة بوصفها عنوانا للحريّة أضحت تـُمارس إرهاب الدولة علنا في بقاع عديدة من العالم وفي مقدّمتها العراق وأخذت بفضل قوتها العسكريّة والاقتصاديّة الضاربة تـُمارس دور شرطيّ العالم في انتهاك صارخ لحريات الشعوب وحقوقها...
- فرنسا التي مهّد شعبها للأفكار وللقيم الإنسانيّة النبيلة ارتكبت أبشع الجرائم ضدّ الإنسانية في الجزائر خلال حرب التحرير وذلك بعد صدور الإعلان المذكور بما يزيد عن 13 عاما وشنّت عدوانا عنصريّا وامبرياليّا على مصر ومارست قذارة الاستعمار في فيتنام وكمبوديا وعدد من الدول الإفريقيّة ولا تأبه لانتهاكات إسرائيل إزاء الفلسطينيين وأرضهم وكأنّها لم تعش أبدا بأس الاحتلال النازي لأرضها..
- الدول الأوروبيّة في معظمها باعتبارها معقل حقوق الإنسان وراعيته تتعامل مع المهاجرين بوصفهم جسما غريبا ودخيلا على الثقافة الأوروبيّة وتنتهك أبسط بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فيما يتعلق بحريّة التنقل والإقامة والعمل...
إنّ إيماننا بأنّ حقوق الإنسان كلّ لا يتجزّأ راسخ لا يتغيّر، ولذلك نشعر ونلحظ مليّا أنّ الخطاب الذي تروّجه هذه الدول صغارها وكبارها بشأن حقوق الإنسان في العالم هو خطاب ملتوٍ يحتكم بالأساس إلى الانتهازيّة السياسيّة بما يجعل من تلك الاحتفالات مجرّد بهرج ونفاق مُعولم ومُفرغ من المحتوى الحقيقي للإعلان المذكور...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق