2009-07-18

- المدّ الرجعي في تونس يكتسح كلّ الفضاءات

حول حكم قضائي بجلد صحفيّة سودانيّة بسبب ارتدائها بنطلونا

قرأت في موقع "الحوار المتمدّن" خبرا ورسالة عن صحفيّة سودانيّة اسمها لبنى أحمد الحسين صدر بحقها مؤخّرا حكم قضائيّ بالجلد بسبب ارتدائها بنطلونا، فقد كانت واحدة من ضمن 12 فتاة سودانيّة اعتقلتهنّ الشرطة السودانيّة داخل قاعة كانت تستضيف حفلا فنيّا وكنّ آنذاك يرتدين البنطلونات أو السراويل. وقد تمّ فعلا تنفيذ حكم الجلد العلني بـ40 جلدة لعشر فتيات منهنّ، وذلك استنادا إلى المادة 152 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 تحت اسم أفعال فاضحة، ولهذه الشرطة السودانيّة "التي تنفذ شرع الله في الأرض" أن تفسّر هذه "الأفعال الفاضحة" كما تريد...

وإن لم يعد من الغريب ملاحظة تزايد أعداد أصحاب الفكر المنغلق في بلادنا من المطالبين بتكفين المرأة بالسواد المظلم من رأسها إلى أخمص قدميها ورفض أيّة صورة لها غير تلك، فيبدو لي أنّه من المحرج والمبكي والكارثي أنّ نرى فينا من التونسيين من قد يطالب بأكثر من الجلد والقتل في حق مثل تلك الفتيات بسبب ارتدائهنّ سروالا. وقد لاحظت ذلك اليوم في موقع تونسي (قامت بتصميمه شركة FM.SOFT) يحمل اسم "بوّابتي" حيث لا يتوانى عن وصف تلك الصحفيّة بـ"الفاسقة".. نعم هكذا فهذا الموقع لا يخجل من إدراج ملاحظة تؤكد أنّه هو الذي اختار عنوان المقال كالأتي: "مقابل سكوتهم عن قتل مروة الشربيني، العلمانيون يشنون حملة رفض حكم بجلد سودانية فاسقة". وهو مقال أربأ بنفسي الدخول في تفاصيله لأنّه يندرج في منظومة امتلاك الحقيقة الواحدة المتعالية عن النقاش، ويُندّد بالعنصريّة وبالكراهيّة إزاء الإسلام مُعتمدا خطابا إطلاقيّا لا يخرج بدوره عن ممارسة العنصريّة إزاء الآخرين...

للأسف أرى أنّ قيم المواطنة تكاد تتلاشى، فالإقصاء من ناحية وتداخل الدولة والدين من ناحية ثانية ومداهنة القائلين بامتلاك الحقيقة من ناحية ثالثة واستقالة المجتمع المدني من ناحية أخرى.. أدّى كلّ ذلك إلى نتائج عكسيّة في المجتمع التونسي وزاد من تفاقم ظاهرة رفض الاختلاف وتوسّع دائرة اللاتسامح وانتشار الفكر الغيبي بين معظم الأوساط الاجتماعيّة، حتى تلك التي اعتبرناها سابقا منيعة.. وأهوال الرجعيّة لا تزال تكتسح كلّ الفضاءات في أجوائنا الواقعيّة منها والافتراضيّة!!

ملاحظة: 1- صروف الحياة شغلتني منذ فترة عن التدوين، ولكنّني لم استطع ممارسة سياسة القردة الثلاثة (لا أسمع، لا أرى، لا أتكلّم) إزاء هذه الظاهرة الخطيرة التي إن تفاقمت وبلغت حدّها فلن نستغرب أن يعمل هؤلاء "المتصرّفون في المقدس"، حسب عبارة ماكس فيبر، على طردنا من بلادنا إن لم يتمكّنوا من القضاء على كلّ من يخالفهم الرأي.

2- يمكن النقر على الروابط المدرجة في متن التعليق للاطلاع على خلفيّات هذا الموضوع..

هناك 5 تعليقات:

"شبه مواطن" يقول...

"وجادلوهم بالحسنى"...
حذفت منذ حين تعليقا "مجهول الهويّة"، وصفني بالانتماء للطابور الخامس والدعوة إلى قمع حريّة التعبير.. ليس لهذاالسبب حذفت التعليق وإنّما بسبب العبارات الجنسيّة القذرة التي استعملها. وكان ذلك دليلا على أنّ الظلاميين من مدّعي امتلاك الحقيقة أنفسهم عندما تغيب لديهم القدرة على الردّ يلجؤون إلى تلك البذاءات القبيحة بديلا عن النقاش الرصين.. وينبرون إلى كيل الاتهامات يمينا ويسارا في حين تعوزهم الشجاعة على الكشف عن هويّتهم باعتبارهم يدركون اختلال الخطاب الشمولي الذي يعتمدونه..

"شبه مواطن" يقول...

التطرّف الحقيقي في رأيي هو أن تعتقد أنّك تمتلك الحقيقة ولا وجود لحقيقة سواها..
وعليه تسمح لنفسك باعتبار كلّ من يختلف معك في الرأي عميلا للسلطة التي تقمع نوازعك الضعيفة القروسطيّة.. وهو خطاب ليس غريبا أيضا عن أيّ سلطة تعتبر من ليس معها معارضا أو غير وطنيّ..
والمأساة تكمن في هذا الإجماع أو الوفاق بين خطاب السلطة وخطاب معارضيها على إلغاء الخطاب المستقل القادر وحده على نقد كلا الخطابين دون الاختفاء كالجرذان السامّة في قنوات تصريف المياه الملوّثة والمظلمة مثل أيّ انتهازيّ ظلاميّ متّسخ يتحيّن الفرصة لتحقيق مكاسب انقلابيّة..

غير معرف يقول...

هذي البدايه ومازال مازال..
اليوم نشجعو الجلد على خاطر سروال
وغدوه تحيا الفلقه وتحيا طالبان
ربي يستر وبره

غير معرف يقول...

Vraiment, l’intolérance de ce mélange des Oulémas commence à régner et à menacer la société tunisienne. Le malheur c’est que la société civile est de plus en plus absente face à ce courant de régression continue

el manchou يقول...

jboura.com