2008-10-05

- المراهقة.. هذا المفهوم النمطي..

من أوهام التنشئة!!
كثيرا ما نكتشف أنّ العديد من المفاهيم التي نعايشها تخضع لأحكام مُسبقة توارثناها أو أنّها وليدة البيئة الاجتماعية المحيطة بنا، كما قد تتراكم بالخصوص عبر التنشئة التربوية التي تـُفرض على الفرد سواء في البيت أو الشارع أو المدرسة.. وقد جالت في ذهني هذه الأفكار بشأن المفهوم السائد للمراهقة في مجتمعاتنا العربيّة بل ربّما في مختلف المجتمعات البشريّة عموما.
فممّا يُعرف لدى الجميع أنّ المراهقة فترة حياتيّة حرجة يعيشها كلّ إنسان بمشاعر فيّاضة، تختلط فيها الأهواء والأحاسيس والمواقف والممارسات إزاء كلّ شيء. فهذه الفترة العمريّة تـُتيح للفرد -حسب ما تذهب إليه العديد من الدراسات السايكولوجيّة- اكتشاف ذاته ماديّا ومعنويّا. فبعد أن يشهد الإنسان آنذاك تحوّلات فزيولوجيّة عميقة يلامس جسده حسيّا ويُكيّف أحاسيسه وفق المتغيّرات التي يعيشها بمقتضى ذلك. وفي مرحلة المراهقة، غالبا ما يعيش الشخص أوّل حبّ في حياته، وقد يستمرّ هذا الشعور أو ينقطع ويتكرّر إزاء أشخاص آخرين، وكثيرا ما يتزامن ذلك باضطرابات نفسيّة تكون ذات تأثير بالغ في شخصيّة الإنسان...
هذه
عموما ملامح الصورة التي نرسمها للمراهق، وهي لئن كانت صورة معقّدة تعكس الوعي بأهميّة هذه المرحلة العمريّة الحاسمة، فإنها تبدو صورة نمطيّة ومقولبة للغاية (artefact). إنّها صورة سلبيّة بكلّ المقاييس يتمّ إلصاقها بالفرد الذي يمرّ بهذه المرحلة على اعتبار أنّه مترّدد ويعوزه الثبات والوضوح والاستقرار في كلّ شيء. ولذلك قد يتمّ رمي الآخرين بتهمة مضحكة في أنهم مراهقون لا لشيء سوى أنهم قد بدت عليهم بعض أعراض المراهقة. والأعراض بطبيعة الحال هي من علامات الإصابة بمرض معيّن، ومن ثمّة يتمّ اعتبار ما يُسمّى بالمراهقة مرضا نفسيّا يُصيب الإنسان في مرحلة معيّنة من حياته وذلك دون تسميته علنا بالمرض. وهذا لا يخرج حسب رأيي عن النفاق الاجتماعي الذي يستوطننا ويرابط في مخيّلاتنا دون أن نُفصح عنه لاعتبارات ذاتية معروفة أساسها أنّ الكلّ قد مرّ بهذه المرحلة. ولذلك عادة ما يتمّ تسمية "المراهقين" بالشباب بهدف التنصّل من المسؤوليّة وعدم السقوط في جلد الذات...
المراهقة في رأيي مفهوم هُلامي لا يعدو أن يكون سوى تركيب أو تصوّر ذهني (construction mentale) غير موجود على أرض الواقع، لأنّه ليس هناك إثبات علمي بأنّ هذه المرحلة العمريّة تُعاش بالكيفيّة نفسها بالنسبة إلى الجميع. كما أنّ العلامات الموسومة بأنّها من أعراض المراهقة تُعدّ مجرّد ممارسات مبثوثة في مختلف المراحل العمريّة للإنسان منذ أن تجاوز مرحلة الطفولة. فالاضطرابات النفسيّة ليست مقصورة على مرحلة ما بين الإثني عشرة سنة والعشرين، وكذلك الحبّ الذي يمكن ألاّ يعرفه الفرد إلاّ في سنّ الستين أو أكثر أو أقلّ. كما أنّ هذه المشاعر يمكن أن تتجدّد أو تنقطع في كلّ مراحل الحياة. أمّا مسألة النضج والاستقرار النفسي وما إلى ذلك من صفات لما بعد مرحلة "المراهقة" فهي مجرّد قوالب جاهزة تفرضها نواميس التنشئة الاجتماعيّة السائدة في كلّ مجتمع وفق القيم والثوابت السويّة وغير السويّة التي يستبطنها...

ليست هناك تعليقات: