* الحداثة وما بعدها صارت عمليّا وهما فلسفيّا لم يعد قادرا على إخفاء إعادة إنتاج الغرب لموروثه الهمجي وانحطاطه القروسطي، بل وزادت تلك الأنظمة غُلوّا في تعاملها الانتقائي مع قضايا الإنسان..
منذ بدأت الحرب العنصريّة واللاإنسانيّة التي تشنّها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزّة وجدّت نفسي مكبّلا غير قادر لا على التعليق أو الإضافة.. مشاهد التدمير والتقتيل البشع تفوق الخيال.. أوصال مقطّعة هنا وهناك.. الدمار وأنقاضه مبثوثة في كلّ مكان.. بؤسًا للتعصّب وللجماعات الدينيّة المتطرّفة أينما حلّت، ليس هنا الإشكال.. اعترف اليوم بأنّ الأمر أضحى فعلا قضيّة وجود في معناها الإنساني.. فالهيمنة الخالصة هي أكثر من مسألة حدود، هي نفي للآخر..
بعد أيّام أو أسابيع أو أشهر من انتهاء هذه الحرب القذرة.. قد يعود بعضنا إلى الحديث -في مواضع مختلفة- عن ديمقراطيّة إسرائيل وديمقراطيّة الغرب، هذا الكيان المتجانس والمتواطئ حتى النخاع في ممارسة أعمال الموت الهمجيّة..
أتلك حقائق التاريخ؟؟؟ هل مازال من المنطقي الحديث عن هكذا ديمقراطية تُنظّر للموت؟؟؟ أتلك فعلا ديمقراطية؟؟؟ هل من العقلانيّة التعامل مع الديمقراطيّة وكأنها لعبة من لعب الأطفال، نلهو بها ثمّ نكسرها وننفرها ونرميها في الزبالة؟؟؟ أليست تلك ديمقراطية الغرب اليوم؟؟؟ ديمقراطيّة مهترئة جزئيّة مترهّلة تُقام هنا وتُمنع هناك، مقياسها الوحيد مدى الخضوع والخنوع لهيمنة الأقوى.. المؤامرة لم تعد نظريّة بل أضحت ممارسة يوميّة.. مؤامرة ضدّ الإنسان والإنسانيّة.. الحداثة وما بعدها صارت وهما فلسفيّا أتعب بعض النخب كثيرا ولم يعد قادرا عمليّا على تجاوز مستوى التنظير، فالواقع قد أثبت بشكل جليّ أنّ الدول الغربيّة لم تتخلّص من موروثها الهمجي ومن انحطاطها القروسطي بل أعادت إنتاجه وإلى حدّ لا يُطاق زادت غُلوّا في تعاملها الانتقائي مع قضايا الإنسان..
ما تقترفه إسرائيل من فظاعات ليس بغريب عنها فهي في أصلها دولة بُنيت على الاحتلال، أسّستها عصابات عنصريّة في فكرها وإجراميّة في منهجها وهي لا تزال كذلك.. الأفظع من إسرائيل ليس أيضا خنوع بلاد العرب فهي إلى حدّ ما ليس بيدها حيلة قياسا بوزنها في العالم، وإنّما الأفظع والأنكى يتأتّى من الأنظمة الغربية المفرطة في تواطئها المفضوح وفي دمويتها رغم تشدّقها الدائم بالحريّة والديمقراطيّة..
فرنسا وكذا الولايات المتحدة مارست أوائل التسعينات أشدّ الضغوط على الجزائر للتفاوض مع المسلّحين الإسلاميين.. وفي قضايا محليّة أو دوليّة كثيرة استباحت هاتان الدولتان وحلفائهما سيادة دول أخرى وعملت ما في وسعها لفرض قرارها وحقها في التدخل لاعتبارات تصفها بالإنسانية أو الديمقراطيّة مثل مخطّطاتها بشأن السودان ولبنان والعراق وسوريا وزمبابواي وغيرها..
أقولها بصراحة: فرنسا صاحبة الثورة ها هي اليوم تكتفي رفعا للوم بإدانة باهتة يخجل لها الصبيان.. لئن كان لنا فيك أصدقاء يا فرنسا فلا نراك اليوم سوى عنصريّة قاتلة مُغرقة في الساديّة وأكثر وكذا بريطانيا الاستعمارية وحلفاؤها، أمّا القائمون على الولايات المتحدة الأمريكيّة فقد جعلوا منها صانعة الإرهاب في العالم.. أليست تلك الدول المزوّد الأوّل لإسرائيل الخارجة عن كلّ قوانين الأرض بأسلحة القتل والتعذيب والتهجير..
موغابي.. أيّها الدكتاتور الهرم.. لئن أنزلت بشعبك ويلات الفقر والأمراض والبؤس.. حسبك أنّك ولدت على تراب زمبابواي فلم تأتها على أجنحة دبّابات أجنبيّة، ولم ترضخ بعد لإملاءات قتلة أفظع منك، شعبك كفيل بمداواة جراحه، فله هو فقط حق إبقائك أو تنحيتك.. أيّها الشعب الزمبابوي لا تُبالي بتنطّع بلاد ما وراء البحار فهم أمهر المهرة في فنّ القتل والإرهاب وفي الفتك بكلّ المبادئ التي يعلنونها في كلّ ثانية ولحظة للعالم..
ها هي مبادئ الإنسانيّة كلّها تنزف مثل غزّة وتهوي على الأرض بلا حراك..
هناك تعليقان (2):
صحيح ، انا لم أفهم وسائل الإعلام الغربية ، مثلا فرانس 24 ، البارحة تبث من مدينة غزة لكننا لا نرى لا دمار و لا قتل ، فقط سيارات تمر مسرعة في الشارع الرئيسي ،أغلب وسائل الإعلام هذه يسيطر عليها "معتدلون" أين الضمائر الحية أين جهابدة الديموقراطية و الحرية في هذه القنوات التلفزية ، الأمر جد محيّر ، نحن لا نريد صور ملفقة أو مبالغ فيها بل صور تعبر عن الحقيقة لا شيء غير الحقيقة ليراها العربي و الغربي ...و يعرف الجاني من المجني عليه ، فالجزيرة رغم توجهها اإسلاموي فهي منارة اعلامية في كون مظلم خاصة في غزة
إذا كان هدف هذا المقال ادانت الجريمة الاسرائلية فهذا منطقي و معقول نضراً لما يحدث الآن في غزة الجريحة
لكن جعل الديمقراطية و الحداثة و الحرية الفردية و الغرب كسبب لكل ما يحصل لنا من مصائب فهذا ليس مقنع بل هذا تبرير لاخطاء حكمنا و الرمي بالمسولية على الأخر بدون سبب لأن القضية الفلسطينية هي قضيتنا أولاً و آخراً
أعلم أنا هذه البلدان الغربية اطاحت لنا الفرصة بأن نخرج إلى الشارع للمظاهرات لأجل فلسطين، على عكس البلدان العربية. ثم إذا هذه البلدان أخذت موقفا محايد لاسرائيل فهذا لأن العرب أخطو على النطاق السياسي إذ لم يقوموا بربط علاقات تحالف مع هذه الدول (ما عدا "الحرب على الإرهاب")
لم يقوموا بجعل كفاحهم الصادق و العادل أكثر وضوحاً لأن حكامنا ليس بالكفأة الازمة لهذه الوضيفة و الديمقراطية تجعل الشعب يختار من هو الأجدر و الأنجع للوصول لاهدافنا
السبب الرئيسي في أنظمتنا و في ضعفنا و ليس لأسباب خارجية !
إرسال تعليق