2009-01-06

عن مسؤوليّة الغرب في الحرب الإجراميّة ضدّ غزّة..

تعقيــب على تعليــق*..
تحدّثت في ورقات سابقة عن تخاذل البلاد العربية وانحسار فضاءات الحرية والديمقراطيّة فيها، وعن مسؤوليّتها أنظمة وشعوبا فيما تعيشه تشهده من ركون وتخلّف على الأصعدة المختلفة.. وهذا ليس بسرّ ولا يخفى إلاّ عمّن يحجب الشمس بغربال..
أمّا هذا المقال/الرأي فهو يتعلّق بمسألة معيّنة هي تحديدا مقولات الأنظمة الغربية حول الديمقراطيّة وممارساتها إزاء ذلك.
أنا اعتبر أنّ الديمقراطيّة تماما مثل الحقوق الإنسانيّة لا ينبغي تجزئتها والعمل بها هنا وتركها أو انتهاكها هناك.. هذا ما تفعله الدول الغربية اليوم إزاء دول العالم الثالث بشكل عام لا العرب وحسب.. فالانتهازيّة السياسيّة المتّسخة والمفضوحة بلغت أوجها في حالة الحرب المفروضة على الشعب الفلسطيني في غزّة بتشجيع من الدول الغربية نفسها. لا تغرّنّك مواقف التنديد أو الجولات الدبلوماسية الانتهازيّة مثل تلك التي يقوم بها الرئيس الفرنسي في المنطقة. ففرنسا مثل غيرها من الدول العظمى كان بإمكانها إن كانت تؤمن فعلا بالعدالة والحق وحقوق الإنسان والسلام أن تقدّم مشروع قرار مُلزم لمجلس الأمن -ضمن البند السابع- يؤدي إلى فرض عقوبات على إسرائيل بسبب تماديها في فرض حرب إجراميّة على شعب أعزل.. وهو ما كانت ستفعله بالضرورة إن تعلّق الأمر بدولة عربية أو دولة أخرى من العالم الثالث..
ما أردت قوله هو أنّ الديمقراطية والحداثة والحريّات الفرديّة أضحت قيما بعيدة عن الواقع ومطلبا مثاليّا ما دامت هذه الدول هي أوّل من يخترقها ويرمي بها عرض الحائط.. فمهما قيل عن قوّة إسرائيل وتقدّمها فهي تعيش على عطايا تلك الدول الغربية وقروضها الميسّرة وضماناتها وأسلحتها فإسرائيل غير قادرة على صيانة معدّاتها وأساطيلها الحربية الضخمة لولا تلك المساعدات الخياليّة.
لم أفهم حقيقة كيف يمكن لك أن تعتبر أنّ الدول الغربية اتخذت موقفا حياديا إزاء إسرائيل في هذه الحرب.. إنّها على خلاف ذلك متورّطة في هذه الجريمة حتى النخاع، ولذلك ترفض مطلقا إقرار عقوبات دوليّة ضدّ إسرائيل.. وكيف لها أن تفعل ذلك وهي أصلا متورّطة في الإلقاء بالعصابات الصهيونيّة التي أسّست دولة إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.. أن يتحمّل العرب مسؤوليّة جسيمة فيما يحصل لفلسطين المحتلة ولبلدانهم المحرومة من الديمقراطية، قد لا نختلف حول كذا أمر، لكنّ ذلك لا ينبغي أن يجعلنا نبرّأ ذمّة الدول الغربيّة المتفوّقة اقتصاديا وعلميّا ونُغيّب دورها الإجرامي في تقديم كلّ أصناف الدعم لإسرائيل لإحكام قمعها وإبادتها للشعب الفلسطيني..
هذا الانحياز الأعمى إلى جانب إسرائيل على حساب أصحاب الأرض أصبح علامة فارقة في سلوك الدول الغربية بكلّ آلياتها، ومن بينها مثلا معظم وسائل الإعلام الفرنسية التي انتهكت كلّ مواثيق الحياد والاعتدال في تغطيتها للحرب في غزّة.. ومن المضحكات مثلا بعضها أصبحت تتحدّث عن الرعب الذي ينتاب الإسرائيليين العزّل بسبب سقوط قذائف يتيمة للـ"الإرهاب الفلسطيني" على عشب حدائق منازلهم.. والأمثلة تبقى مخجلة وكثيرة..
* هذه الورقة هي تعقيب كتبته تفاعلا مع تعليق على المقال السابق، أورته هنا نظرا إلى أنه طويل نسبيا وقد يُسهم بدوره في إثارة الجدل والتفاعل..

هناك 3 تعليقات:

أنيس يقول...

في مقالك هنالك العديد من التعميم و التبسيط.
هنالك فرق بين المبادء الإنسانية اللتي تكون هدفاً مثالياً (و لا توجد دولةٌ مثالية على وجه الارض) و واقع السياسة الدولية الذي هو مبني بالأساس على المصالح.

فمصالح فرنسا مثلاً مختلفة عن مصالحنا نحن العرب، و ربما تتفق في بعض الأحيان مثل عند الحرب على العراق لكن هذه ليست القاعدة بل استثناءاً
لكن من مسؤلية حكامنا أن تدعم مصالحنا لجعلها متقاربة مع مصالح الدول اللتي لديها القدرة على الظغت (بمعنى آخر التأثير بصفةٍ أو أخرى على الدول التي لديها القدرة على الظغت)


أنت تتهم الغرب ككتلة بدعم إسرائيل دون إستثناء و هذا تعميمٌ خطأ.
أولاً هنالك فرق بين الإتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة

فمثلاً الإتحاد يدعم الفلسطينين سنوياً العشرات من الملايين

أنظر هذا الرابط

ثم أن موقف كل دولة يختلف (إنجلترا دعمت اسرائيل أما البلدان السكندنافيا
نددت الهجمة الاسرائلية) ...

وسائل الإعلام لم تأخذ موقفاً موحداً (ف "Libération" و l'humanité
تندد بشدة و صدق الجرائم المرتكبة
Arte مثلاً تغطي بصفةٍ حرفية النزاع و هذا يكفي لإعطاء فكرة صادقة بما يحدث من مأساة, هذا على عكس "Le Figaro"الذي يدعم إسرائيل بصفةٍ واضحة
هذه هي التعددية في الإعلام!

أما الولايات المتحدة فموقفها لم يتغير عن المعتاد و هذا لأسباب لم يفهمها العرب حتى الآن: السيطرة على وسائل الإعلام من طرف اللوبي اليهودي، و السيطرة على رجال السياسة من نفس الطرف

ربما اوباما عبر سكوته ليس من نفس الموقف لبوش أي أكثر إعتدال، لكن آلية اللوبي تتجاوز رغبة الرئيس إذ هي متداخلة في النظام.

حين العرب يفهموا هذه الآلية ليستغلونها لمصلحتهم و يدعموا لوبي عربي سنئثر انذاك على السياسة الخارجية للولايات المتحدة...

أنيس يقول...

صدفةً هذا ما سمعته اليوم على الراديو الوطنية (نقاش مع مرشحة في البرلمان الاروبي)
هنا:
http://podcasting.rtbf.be/montre/index.htm?key=LP-MAP&chaine=lapremiere

النقاش مع veronique de keyser

"شبه مواطن" يقول...

أشكرك أوّلا على الرابط، ثمّ أودّ أن أوضّح لك باختصار شديد أنّني ربّما مثلك أمقت التعميم والخطاب الإطلاقي فالغرب ليس كتلة واحدة متجانسة كما ذكرت أنت، ومع ذلك لم ألحظ قطّ أنّ هناك دولة غربيّة تجاوزت مستوى التنديد فيما يخصّ الجرائم الإسرائيليّة إلى مستوى الفعل أي المطالبة رأسا بفرض عقوبات دوليّة صارمة ضدّ إسرائيل مثلما تطالب بذلك بشأن دول من العالم الثالث.. هنا أرى بوضوح مدى ابتعاد السياسة عن الأخلاق والقيم الإنسانيّة النبيلة..
للحديث بقيّة