سُعدت اليوم بتلقي رسالة إلكترونيّة من الرسّام الكاريكاتوري بجريدة "الوطن" السعوديّة عبد الله بصمه جي الذي كنت نشرت له في المدوّنة رسمين مميّزين عن "الإعلام المُضلّل" و"الرقابة الذاتيّة". وقد تكرّم بتزويدنا بهذا الرسم المُرفق عن "مهنة المتاعب". ويُسعدني أن أنشر في ما يلي الرسالة المذكورة، شاكرا للزميل تفاعله وموهبته في مجال فنّ الكاريكاتير:
الاستاذ معز زيود المحترم تحية وبعد
بالمصادفة اطلعت على مدونتكم الالكترونية وكان سروري عندما رأيت رسمين لي وتعليقكم عليه. فشكرا لكم وبالنسبة للاستبيان: هل الصحافة مهنة المتاعب؟ طبعا لم اصوّت لكني سأصوّت برسمة كاريكاتيرية نشرت منذ فترة بجريدة "الوطن" السعودية.
وكل عام وانتم بخير ولكم جزيل الشكر والمحبة
عبد الله بصمه جي
التعليق عن الرسم:
قد يذهب الجمهور أو النقاد أحيانا بعيدا في تأويل العمل الفنّي بما قد لا يتبادر إلى ذهن الفنّان وخاصّة إذا كان بعيدا عن الأسلوب المباشر الذي يحدّ من قيمة الفنيّة لذاك الأثر.. وفي رأيي المتواضع فإنّ أهميّة العمل الفني تكمن في هذا الانفتاح والامتداد العابر للحدود الذي يتيح لفئات مختلفة من الناس فهم العمل الفنّي واستساغته دون الحاجة إلى معرفة الخلفيّات أو الظروف المحيطة به. فالفنّ لا يمكن سجنه في قفص مثل بعض الطيور.. إنّه كما يقول يوسف شاهين كـ"الأفكار لها أجنحة تخترق الحدود".. هذه فقط مقدّمة تبادرت إلى ذهني قبل أن أذهب إلى تأويل الرسم الكاريكاتوري لعبد الله بصمه جي.
"مهنة المتاعب"، حقيقة أنا لا أعرف من يكون أوّل من أطلق هذه الصفة على الصحافة رغم دراستي لهذا المجال وتدريسي فيه.. وقد دفعني هذا الرسم الكاريكاتوري لإبداء رأيي في الموضوع، فضلا عن كوني قد قرأت بالأمس تعليقا للزميل كمال الحجلاوي في "فيس بوك" يقول فيه: "غير صحيح أن (الصحافة مهنة المتاعب) فكل المهن مهن متاعب وإلا فكيف يمكن اعتبار مهنة الحداد وكسار الحصى والحلاق والخباز والحارس وغيرها مهن الراحة والاستجمام؟"
أقولها بوضوح أنا أوافق الرأي القائل بأن الصحافة مهنة المتاعب، وعلى خلاف ما ذهب إليه الزميل فإنّ الصحافة مهنة لها خصوصيّات تميّزها عن سائر المهن.. فليس المقصود بالمتاعب التعب الجسدي تحديدا، بل هو الأرق الذهني، بل هو أيضا التمزّق بين السائد والمنشود، بل هي كذلك المسؤوليّة الاجتماعيّة والأخلاقيّة التي يحتكم إليها الصحفي في عمله، فالصحافة في نهاية المطاف هي صناعة المعنى. وفي تونس هناك مثل يتداوله معظم الصحافيين مفاده أنّ "الصحفي أُقتله يُصبح حيّا" فالصحفي الحقّ لا يُعيد إنتاج نفسه أو أعماله أو مقالاته، إنّما يعتصر ذهنه وتتوقّف أنفاسه طيلة يوم حتى حتى يتنفّس الصعداء باكتمال عمله دون خيانة جمهوره.. وفي الغد يُعيد الكَرّة.. فهو يخوض ولادة فكرة جديدة كلّ يوم.. فالصحفي هو بمثابة ذاك المبدع المقيّد أو المحكوم بضمير مهني وفنيّات خاصة بالعمل الصحفي.. ولذلك نقول إنّ الموضوع أكبر بكثير من مجرّد أعمال يدويّة نكنّ لها ولمحترفيها كلّ الاحترام..
وكما يبدو في الرسم الكاريكاتوري المصاحب -حسب قراءتي الشخصيّة- فإنّ دواء الصحفي من "المتاعب" هو الحبر الأسود أي المزيد من المتاعب، ولكنّها متاعب ليس الصحفيّ في غنى عنها، إنّها رأسماله اليومي.. ونلاحظ في هذا الرسم أنّ الطبيب النفساني الذي التجأ إليه الصحفي لم يكن في -حدّ ذاته- قادرا على مداواته إلا بالحبر القاني، ذاك الحبر الذي قد يُفقد الصحفي نعمة النظر ولكنّه لن يَكِلّ وسيواصل.. ومع ذلك فبالحبر تكتمل صفة الصحفي وتعيد له توازنه الذي قد يفتقده أحيانا.. فهل أكثر من كلّ ذلك متاعب؟!!
هذا رأيي في مسألة مهنة المتاعب وتلك قراءتي لهذا الرسم الكاركاتوري الذي أوجّه جزيل الشكر إلى صاحبه الزميل عبد الله بصمه جي..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق